|
كلمة عن الموسمين
|
موسمان يقتربان منا..
يدنوان من محطة اهتماماتنا..
ويحرضاننا للحرص على وضع مخطط لهما..
في تكرار تعودنا عليه..
وبما لا جديد فيه.
***
هذان الموسمان..
يأخذان من أفراد الأسرة حقهما من الاهتمام وأكثر..
تلتئم الأسرة في اجتماعات متكررة لوضع تصور لما تسعى أو تفكر أو تخطط له..
فهما شغل الأسرة الشاغل..
ولهما الأولوية من الاهتمام والمتابعة والحرص المتواصل دون توقف.
***
ومعهما ينشغل الجميع..
استعداداً..
وتخطيطاً..
وينصب تفكير كل أفراد الأسرة على بذل الجهد للخروج بأقل الخسائر وتحقيق أكبر المكاسب.
***
الموسمان تربطهما علاقة حميمة..
وصلة جوار..
وتقارب في الأزمنة والمسافات..
فمن محطة جهد وبذل وعطاء..
إلى أخرى للراحة والاسترخاء.
***
وها هو موسم الامتحانات يطل علينا..
يذكرنا بموسم دراسي امتد لعام كامل ويوشك أن يودعنا ونودعه..
وها هي إجازة العام الدراسي المنصرم تلوح بموعدها مثلما فعلت في الأعوام السابقة..
وجميعنا ننتظر لأبنائنا وبناتنا التفوق والنجاح..
ولا نمانع في إجازة معهم داخل أو خارج المملكة.
***
هما إذاً موسمان تربطهما صلة وتواصل..
وعلاقة حميمة أخذت مسارها بشكل تلقائي ودون ترتيب..
فلا يكاد يذكر موعد الامتحانات، إلا وكانت الإجازة حاضرة في الذهن..
وهذا الاهتمام لا يقتصر على الكبار فقط، وإنما يشاركهم فيه الصغار أيضاً.
***
والمطلوب التحضير الجيد للامتحانات..
والاستعداد المبكر لها..
والمطلوب بعد ذلك التخطيط السليم لقضاء الإجازة مع وبصحبة أفراد الأسرة الواحدة..
حتى يعود الجميع إلى نشاطهم مع بدء عام جديد بما ينبغي أن يكونوا عليه من همة وحيوية ونشاط.
***
وعلينا استغلال الإجازة أحسن استغلال..
والاستفادة من أيامها بما يضيف إلى معارفنا المزيد..
وأن تكون فيها إضافات كثيرة وجديدة إلى خبراتنا..
دون أن نفقد حقنا في الاستمتاع بها.
***
وعلينا قبل ذلك أن نُمضي الأيام التي تسبق الامتحانات
في التحضير المبكر لها..
بصحبة الكتاب..
وصداقته..
واستيعاب الدروس التي تعلمها الأبناء والبنات على مدى عامل كامل..
حتى يكون للإجازة معناها ومتعتها ويتحقق الهدف النبيل منها.
خالد المالك
|
|
|
بعد عامين على سقوط بغداد وغموض مستقبل بلدكم العراقيون يكابدون الألم بالأمل
|
* إعداد أشرف البربري
أيام وتحل علينا ذكرى سقوط بغداد في قبضة الاحتلال الأمريكي في التاسع من أبريل. دماء كثيرة سالت منذ أن أطلق الرئيس الأمريكي جورج بوش قواته لغزو العراق في التاسع عشر من مارس عام 2003م.
القتلى الأمريكيون تجاوزوا 1500 والقتلى العراقيون تجاوزوا المئة ألف ولكن مَنْ يهتم بمائة ألف عراقي؟!.
فالخسائر لا تعني إلا خسائر الأمريكيين أما غيرهم فلا أحد يهتم حتى بحصرها، وما بين واشنطن وبغداد آلاف الأميال، ولكن الألم واحد.
فما ان بدأ الغزو الأمريكي للعراق حتى أصبح العراقيون والأمريكيون في مواجهة الموت حتى لو كان الأمريكي هو القاتل والعراقي هو القتيل دائما والعكس أحيانا.
وفي تقرير لها من بغداد حول ذكرى مرور عامين على سقوط بغداد، ذكرت صحيفة (بوسطن جالوب) الأمريكية أنه على مدى نحو عامين ومنذ دخول القوات الأمريكية إلى العراق رافعة شعار تحريره انتقل هذا البلد من نظام حكم بوليسي مستبد إلى حالة مجتمع غارق في الفوضى.
وقد أصبحت الحياة اليومية مزيجا غريبا من الخراب والأمل.
***
الحياة تحت ظلال الموت
يقول تقرير (بوسطن جالوب): لقد باتت التفجيرات الانتحارية أمرا معتادا في مختلف أنحاء العراق من شماله إلى جنوبه.
وفقدت مراكز القوة الأكثر ثراء في العراق مثل بغداد والموصل كل ما كانت تتمتع به في عهد ديكتاتورية صدام حسين.
وكما هو حال جيرانهم في المثلث السني يعيش سكان وسط العراق في حالة حرب مستمرة منذ مارس 2003 عندما بدأ الغزو الأمريكي للعراق.
ويتابع التقرير: تبدو كل مؤشرات الحياة بالنسبة لهؤلاء الذين يعيشون في وسط العراق، ويشكلون نحو ثلث سكان العراق، مروعة كما يتضح من خلال آلاف العراقيين الذين قتلوا في الهجمات أو الذين يتعرضون لعمليات الاختطاف التي تقوم بها العصابات الإجرامية وقطاع الطرق أو يلقون حتفهم عرضا في المواجهات العسكرية المستمرة في هذا الجزء الملتهب من العراق.
كما أن هؤلاء الناس يعانون من عدم وجود الوقود والانقطاع المستمر في الكهرباء وغياب الخدمات الصحية.
وبمقياس الثروة المفقودة يمكن القول إن العاصمة العراقية بغداد التي تعد أكثر مناطق العراق من حيث التنوع العرقي والطائفي وكانت العاصمة الفكرية للبلاد ومركز الحكم هي التي دفعت القدر الأكبر من ثمن التحرر من صدام حسين.
ورغم ذلك فإن هؤلاء الذين عانوا أكثر من غيرهم وجدوا سببا للتفاؤل وسط هذه المأساة. يقول عدنان نصيف جاسم السعيدي الذي يبلغ من العمر 49 عاما (رغم هذا الألم والتضحية الكبيرة فإننا نحقق مكاسب ضد المجرمين).
وكان الرجل بعد أقل من شهر على المشاركة في أول انتخابات بالعراق قد فقد اثنين من أشقائه وابن أخيه أثناء مشاركتهم في جنازة إحدى قريباتهم في مقبرة جنوب بغداد عندما هاجمهم مجموعة من المسلحين وقتلوهم ثم اتصلوا بعدنان عن طريق الهواتف المحمولة للقتلى يسخرون منه لأنه (شيعي !!!).
ورغم أن الرجل يبدو متماسكا أمام هذه الكارثة التي حلت به فإن قصته تحكي لنا مجرد جزء مما يجري في العراق على مدى عامين تقريبا.
الرابح والخاسر
فالشيعة في جنوب العراق يعيشون حاليا أزهى عصورهم نسبيا حيث الأمن أكثر استقرارا وطموحاتهم السياسية تتحقق.
ويشكل الشيعة نحو ثلثي سكان العراق، يعيش نصفهم تقريبا في الجنوب الذي عانى سنوات طويلة من التجاهل والتهميش.
أما اليوم فالمستشفيات تنتشر في أغلب مدن الجنوب من النجف إلى الناصرية، كما أن تشغيل ميناء أم قصر في الجنوب أدى إلى انتعاش اقتصاد المنطقة وتوفير آلاف الوظائف الجديدة، وقبل كل هذا فقد تخلص مواطنو الجنوب من كابوس أجهزة المخابرات التابعة لحزب البعث الذي كان يحكم العراق في فترة صدام حسين.
فقد كانت هذه الأجهزة تلاحقهم وتمارس القتل والتعذيب ضد المتمردين والفارين من الخدمة العسكرية الإلزامية، لذلك فإنهم حتى عندما يقع تفجير انتحاري في إحدى مدن الجنوب ويُسقط عددا كبيرا من القتلى فإنهم يقولون إنه ثمن زهيد للتخلص من نظام الحكم الدموي الذي عانوا منه أكثر من عشرين عاما.
الكلام نفسه ينطبق تقريبا على الأكراد في الشمال، حيث يعيشون في منطقة تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي، فالنفوذ السياسي للأكراد يتزايد الآن بعد أن ازدهرت مناطقهم في الشمال اقتصاديا بفضل الحماية التي وفرتها لهم الولايات المتحدة على مدى الاثني عشر عاما الأخيرة من حكم صدام حسين من خلال فرض حظر جوي على شمال العراق لمنع الطيران العراقي من التحليق في هذه المناطق.
وخلال العامين الماضيين تمتع الأكراد بنفوذ متزايد داخل الحكومة المركزية العراقية التي ظهرت على أنقاض نظام صدام حسين في الوقت الذي أصبحت كردستان العراقية أكثر مناطق العراق أمنا أمام النشاط الاقتصادي فاستقطبت استثمارات ضخمة سواء عراقية أو غير عراقية، الأمر الذي زاد من رخاء سكانها.
وعلى بعد عدة مبان من منزل عدنان في بغداد التقينا مع عراقي آخر من السنة هذه المرة وهو رجل أعمال يدعى محمد فالح الدليمي.
ولم يكن حماس الرجل أقل من حماس جاره الشيعي بالنسبة للاستعداد لدفع ثمن التخلص من حكم صدام حسين.
الدليمي يخسر بسعادة!
يقول محمد الدليمي: (لأول مرة استخدم عقلي).. ورغم أن محمد الدليمي كان قد حقق ثروة كبيرة خلال فترة حكم البعث من خلال علاقاته بنظام الحكم فإنه ليس حزينا على انهيار هذا النظام، لكنه في الوقت نفسه يؤيد المقاومة العراقية ويراها تجسيدا لكرامة العراقيين وفخرهم.
ومع ذلك فإن نظرته للأمور بدأت تتغير بعض الشيء الشهر الماضي عندما وضعت له زوجته طفلا ثانيا حيث بدأ يشعر بالأمل في المستقبل رغم أنه مازال ساخطا على الاحتلال الأمريكي والحكومة العراقية الجديدة.
والحقيقة أن القصة الشخصية لكل من محمد وعدنان توضح بصورة أفضل من أي إحصاءات أو أرقام التغييرات التي طرأت على الحياة اليومية للعراقيين خلال عامين من الاضطرابات منذ انهيار حكم البعث واحتلال العراق وحكم الأمريكيين للعراق بصورة مباشرة لمدة عام كامل تقريبا ثم تفجر أعمال العنف وصولا إلى إجراء الانتخابات العامة في يناير الماضي.
فالنجاح والألم في حياة عدنان يسيران في منحى صاعد متبعا منحى وضع الأغلبية الشيعية ككل.
فقبل الغزو الأمريكي للعراق كان عدنان يعمل سائقا على حافلة خاصة وكان يتقاسم العائد مع أشقائه الذين كانوا يديرون متجرا لبيع السمك المدخن على نهر دجلة.
وقد بدأت حياته تتحسن منذ أن خرج هو وجيرانه من الأكراد في هذا الجزء من العاصمة العراقية للترحيب بوصول الدبابات الأمريكية عام 2003م، فجأة أصبح قادرا هو وأشقاؤه على التقدم للالتحاق بوظيفة في الحكومة.
فقد ترك شقيقه سعد عمله في متجر السمك ليعمل في نقل آلاف العمال إلى محطة لتكرير النفط جنوب بغداد حيث يحصل على أجر كبير.
وأصبحت الأموال في أيديهم أكثر من أي وقت مضى ففرشوا أرض المنزل بالسجاد الفارسي واشتروا مكيفات هواء، ولكن الحياة رفضت أن تبتسم لهذه العائلة إلى الأبد.
ففي الأسبوع الأخير من فبراير الماضي كان شقيقاه سعد وصالح وابن شقيقه وسام يشاركان في جنازة قريبة لهم عندما هاجمتهم مجموعة مسلحة وعذبتهم وقتلتهم. وعدنان ليس الوحيد الذي ينظر إلى حوادث القتل تلك باعتبارها محاولات لإثارة الشيعة لإشعال حرب أهلية.
ووفقا لتقديرات المحققين فإن شقيقي عدنان وابن شقيقه تعرضوا للتعذيب لمدة خمس ساعات قبل إطلاق النار على رؤوسهم، وقد التحق عدنان بوظيفة شقيقه سعد في نقل العمال لأنه مطالب برعاية زوجات سعد الثلاث وأطفاله التسع.
ومنذ عامين فقط بدأ العراقيون الشيعة في هذا الحي الذي يعيش فيه عدنان يتحدثون عن ضحايا التعذيب والقتل في سجون صدام حسين.
يقول عدنان إن الإصابات التي كانت في أجساد أبناء عمه الذين قتلوا في السجن عام 1985 تشبه كثيرا تلك التي وجدت في أجساد شقيقيه وابن شقيقه.
ورغم الكارثة الإنسانية التي حاقت به فإنه يفضل التطلع إلى الفرصة التي ينطوي عليها المستقبل وسوف يستطيع ممارسة حياته اليومية بحرية دون خوف من حزب البعث.
وعلى الجانب الآخر فإن مظهر محمد الدليمي يوحي بمستوى معيشته، فالرجل يرتدي بذلة رمادية اللون أنيقة، ومشروعاته تؤهله ليكون من الطبقة الحاكمة التي كانت من أكبر المستفيدين من حكم البعث. كوّن محمد ثروته من خلال استيراد المعدات والإمدادات الطبية المعفية من الجمارك من سوريا إلى السوق العراقية.
وقبل الغزو الأمريكي للعراق كان يعيش ضمن الشريحة العليا من المجتمع العراقي، فكان يقضي الأمسيات بصحبة زوجته في مقاهي نهر الفرات حيث يدخنا النرجيلة ويذهبان لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في المنتجعات المحيطة بالعاصمة العراقية أو مزارع النخيل بريف بغداد.
أيام الحزن في بغداد
ولكن تلك المقاهي التي كانت تزين شاطئ الفرات أغلقت أبوابها الآن، وجزيرة بغداد التي كانت المنتجع المفضل بالنسبة له أصبحت قاعدة عسكرية، ومزرعة أسرته في مدينة سلمان بك أصبحت ساحة معارك بين القوات الأمريكية والمقاومة العراقية ولم يعد في الإمكان الذهاب إليها.
وخلال العام الأول بعد الغزو الأمريكي للعراق بدأ النشاط التجاري لمحمد يواجه الصعوبات بعد أن أصبح يتعامل مع سوق حرة بالفعل تشتد فيها المنافسة.
وأصبحت الشركات الأخرى ذات رؤوس الأموال الأكبر تستورد الأجهزة الطبية الأحدث من آسيا لتضرب تجارته في مقتل.
وقد اضطر إلى إغلاق مزرعته النموذجية ثم اضطر إلى إغلاق متجر الأجهزة الطبية ولم يعد لديه حاليا سوى عمله في مجال الإمدادات الطبية وأصبحت حياته تدور حول معاناته مع العراق الحر.
ونظرا لتزايد معدل التفجيرات الانتحارية والسيارات المفخخة والمواجهات العسكرية فإن الرجل وأفراد أسرته يلزمون منزلهم مع حلول المساء.
وفي طريقه إلى عمله يصطدم بازدحام المرور كل يوم مما يجعل المسافة التي تحتاج إلى عشرين دقيقة تستغرق ساعتين أو ثلاث ساعات.
ففتح السوق العراقية أدى إلى زيادة عدد السيارات في الشوارع بمقدار مليون سيارة.. في الوقت نفسه فإن القوات الأمريكية والقوات العراقية تغلق الكثير من الشوارع لفترات طويلة لدواع أمنية كل يوم.
كما يحتاج محمد لقضاء يوم كل أسبوع أو أسبوعين في طابور طويل أمام محطة الوقود لتزويد سيارته بالوقود، حيث يصل معدل الانتظار في طابور الحصول على الوقود في بغداد إلى 12 ساعة في الظروف العادية حاليا.
فعلى الرغم من أن أرض العراق تحتوي على ثاني أكبر احتياطي نفط على مستوى العالم فإن انهيار البنية الأساسية لقطاع النفط والهجمات المستمرة على المنشآت النفطية من جانب المقاومة العراقية أدت إلى وجود أزمة وقود خانقة في البلاد.
أيضا اضطراب إمدادات الكهرباء من بين العوامل التي تزيد صعوبة الحياة بالنسبة لمحمد فالح وبالنسبة لأغلب العراقيين.. فالكهرباء وبعد عامين من بدء الاحتلال لا تتوافر سوى لمدة ثماني ساعات في اليوم.
الأمان المفقود
ثم نأتي إلى المقاومة العراقية التي تلقي أيضا بظلال كثيفة على الحياة الشخصية واليومية لمحمد.
فقبل ستة أشهر كان محمد يتحدث بفخر كبير عن المقاومة الشريفة التي تهاجم القوات الأمريكية، ولكن منذ شهر انفجرت سيارة مفخخة تستهدف دورية أمريكية كانت تمر بالقرب من منزله ووصل غطاء السيارة إلى فناء منزله.
وبسبب الخوف أنجبت زوجته الحامل طفلها في الشهر الثامن من الحمل ورفضت العودة إلى المنزل وفضلت البقاء في منزل أمها.
ولكن زوجها يرفض ترك المنزل لأنه يدرك أنه إذا ترك المنزل لمدة يومين فسوف يسطو عليه اللصوص.
يقول محمد: (لم أعد أشعر بالأمان في أي مكان).
وأكثر ما يثير خوفه وخوف أصدقائه هو عمليات الاختطاف والسطو والاعتقال أو الموت على أيدي القوات العراقية التي تستخدم أسلحتها دون تفكير.
أما التهديد المزدوج بالنسبة لمحمد فيتمثل في وجوده بالشارع أثناء مرور دورية أمريكية.
فهو يخشى الموت بنيران المقاومة الذي يستهدف الدورية الأمريكية أو بنيران الأمريكيين الذين يردون على المقاومة.
ورغم كل ذلك فإن محمد يرى أن ذكاءه سوف يجعله ثريا مرة أخرى عندما تعود الحياة إلى طبيعتها في العراق.
يقول محمد: (إذا حسبتها بالمال فأنا فقير، ولكن إذا قيمنا الأمور بمقدار المعرفة لدي وكيفية التعامل مع الناس في السوق فإنني سأصبح ثريا خلال عامين على الأكثر).
والحقيقة أن المشاعر المختلطة والمضطربة ما بين الخطر المتزايد والتفاؤل المتزايد منتشرة في مختلف أنحاء العراق.
فرغم وصول معدل البطالة في العراق إلى ثلاثين في المئة تقريبا يقول سبايك ستيفنس مدير بعثة هيئة التنمية الدولية الأمريكية في العراق: إن مشروعات إعادة بناء ما دمرته الحرب في مدينتي الصدر والنجف ساعدت في التقليل من حدة البطالة في المنطقتين اللتين شهدتا معارك طاحنة بين أنصار الزعيم الشيعي مقتدى الصدر وقوات الاحتلال الأمريكية في الصيف الماضي.
ويشير سابيك إلى انتشار أطباق استقبال الإرسال التلفزيوني الفضائي على أسطح منازل المدينة وإلى تسجيل أكثر من عشرين ألف شركة اجنبية للعمل في العراق العام الماضي.
إصلاح ما أفسدته الحرب
كما أن الكثير من الأموال تضخ حاليا في أوصال الاقتصاد العراقي من خلال الأجور السخية التي يحصل عليها العراقيون الذين يعملون في الحكومة في الشركات الخاصة حاليا.
فقد قفز مرتب المهندس حديث التخرج أو المدرس مما يعادل عشرين دولارا في عهد صدام حسين إلى نحو مائتي دولار حاليا.
والنتيجة هي ازدهار الأسواق الممتلئة بالسلع الرخيصة التي تدخل إلى العراق دون جمارك.
كما امتلأت المتاجر بالمشروبات الغازية الغربية والمكسرات القادمة من إيران والعصائر القادمة من المملكة العربية السعودية.
وانتشرت مقاهي الإنترنت ومتاجر الهواتف المحمولة ومتاجر الأجهزة الكهربائية حتى في الأحياء الأشد فقرا في العاصمة العراقية.
ووضعت إعلانات الهواتف المحمولة على الحوامل التي كانت تحمل في وقت من الأوقات صور صدام حسين.
ورغم ذلك فالعراقيون لا يشعرون بالأمن ولا بالسعادة لأنهم يشعرون بأجواء الحرب تحاصرهم في كل خطوة من خطاهم.
فالحواجز الأمنية في كل مكان والحواجز الخرسانية وأكياس الرمل تحيط بأي مبنى حكومي خوفا من هجمات المقاومة.
وهكذا وجد العراقيون انفسهم بعد ان خرجوا من سجن صدام حسين ونظامه البعثي الذي كان يتعقب خطاهم ويحدد تنقلاتهم قد دخلوا إلى سجن آخر يحدد فيها العنف وغياب الأمن خطاهم.
ومع دخول العراق عاما جديدا من الاحتلال في ظل ثالث حكومة بعد صدام حسين فإن العراقيين يشعرون بخيبة أمل متزايدة بعد أن اكتشفوا أن الأشياء التي تصوروا أنها ستتحسن بصورة أسرع لم تتحسن مثل البنية الأساسية والخدمات العامة.
فقبل أيام تعرضت بغداد لهطول أمطار غزيرة، وكانت النتيجة أن المدينة غرقت في مياه الأمطار بسبب غياب نظام للصرف في شوارعها.
ولذلك فالمستقبل غامض بالنسبة للكثيرين من العراقيين حتى رغم وجود أسباب تدعو للتفاؤل.. فثلاثون عاما من القمع الداخلي والحروب الخارجية والحصار الدولي جعلتهم ينظرون إلى المستقبل بكثير من الشك.
ويُحمّل عدنان بقايا نظام حكم البعث مسؤولية مقتل أفراد عائلته.
ويقول إن البعثيين ظلوا يمارسون القتل في حق الشعب 35 عاما وهم يرفضون الاعتراف بأن عهدهم قد ولى لذلك يواصلون القتل.
ويقول إن شقيقه سعد ترك له حملا ثقيلا ممثلا في زوجاته الثلاث وأطفاله التسع، وهو عبء ثقيل تماما كالعبء الذي كان يمثله حكم صدام حسين.
ثم يرفع عدنان صوته بالدعاء (الله ينتقم من صدام حسين الذي تركنا في كل هذه الفوضى والدماء؛ فهو المسؤول عن كل هذا).
الصورة في واشنطن
وكما ذكرنا في البداية فكارثة الحرب العراقية ذات وجهين: الأول في بغداد حتى وإن كان الأشد دموية، والثاني في واشنطن.
ولكي تكتمل الصورة يجب رصد ملامحها في واشنطن.
تقول صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الامريكية في تقرير آخر من واشنطن إن الأمريكيين مازالوا يعانون من حالة تناقض مرهق بشأن الحرب رغم مرور عامين.
فالحملة العسكرية كلفتهم حتى الآن أكثر من 1520 قتيلا وآلاف الجرحى وأكثر من مائتي مليار دولار كنفقات طارئة.
وبسبب الاعتماد الكبير على أفراد الحرس الوطني الأمريكي لسد العجز في أفراد القوات الأمريكية في العراق وأغلب هؤلاء كانوا أساسا يعملون في الشرطة أو في الاطفاء في الولايات المتحدة فإن كل منطقة بأمريكا يبدو أن لها جنودا يقاتلون في العراق أو في طريقهم إليها.
في الوقت نفسه فإن الرأي العام الأمريكي يبدو وكأنه مشغول في هذه اللحظة بخطط الرئيس الأمريكي جورج بوش لتغيير نظام الضمان الاجتماعي ومتابعة محاكمة نجم البوب مايكل جاكسون بتهمة الاعتداء الجنسي على طفل وثمن الوقود الذي يرتفع باستمرار.
كما أن حركة مناهضة الحرب تبدو هذه الأيام أقل ضجيجا بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية التي لم يكن لها وجود، ولا العلاقة بين صدام حسين وأسامة بن لادن التي ثبت أنها كانت من اختلاق الإدارة الأمريكية.
والسبب وراء هذا التراجع في حساسية الأمريكيين لغزو العراق والضحايا الذين يتساقطون كما يقول جون ألين وليامز أستاذ العلوم السياسية في جامعة ليولا الأمريكية (بوش غيّر قواعد الاشتباك وجعل هدف الحرب نشر الديمقراطية في العراق وليس التخلص من أسلحة الدمار الشمال).
ثم ان مؤشرات الديمقراطية بدأت تظهر بالفعل في العراق.
فالأمريكيون رأوا مشاركة العراقيين بحماس كبير في أول انتخابات عامة تشهدها بلادهم، وكذلك التحركات في اتجاه الديمقراطية في العديد من دول الشرق الأوسط مثل لبنان ومصر.
الانقسام سيد الموقف
في الوقت نفسه مازال الرأي العام منقسما بشأن الموقف من الحرب.. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة واشنطن بوست وشبكة ايه بي سي نيوز التلفزيونية الإخبارية مؤخرا إلى أن 53 في المئة من الأمريكيين يشعرون أن الحرب لم تكن تستحق أن يخوضها الأمريكيون.
وقال 57 في المئة منهم انهم لا يوافقون على طريقة الرئيس بوش في التعامل مع الأزمة العراقية.
وقال 70 في المئة إن الخسائر الأمريكية في هذه الحرب ثمن غير مقبول.
كما أن حوالي 41 في المئة يرون أن هذه الحرب أضرت بصورة أمريكا في الخارج خاصة وهم يشاهدون المزيد من الدول الأعضاء في (تحالف الإرادة) التي شاركت في الحرب في البداية تسحب قواتها من العراق لتترك الأمريكيين يتحملون المزيد والمزيد من الأعباء.
وهذه النتيجة تختلف كثيرا عن نتيجة استطلاع الرأي الذي أجري قبل عامين عندما انطلقت القوات الأمريكية في اتجاه بغداد.
ففي ذلك الوقت كان 75 في المئة من الأمريكيين يؤيدون طريقة تعامل بوش مع العراق وكان 70 في المئة يرون أن الحرب تستحق أن تخاض.
كما أن عدد الأمريكيين الذين أصبحوا يرون أن الخسائر الأمريكية في العراق أصبحت ثمنا غير مقبول تضاعف.
في الوقت نفسه فإن أغلبية الأمريكيين يرون أن العراق أفضل مما كان عليه قبل الحرب تحت حكم صدام حسين وأنهم يعتقدون الآن بوجود فرصة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط.
الشباب الأمريكي والحرب
هناك العديد من المشاعر المتضاربة تعتمل قي صدور وعقول الشباب الأمريكي تجاه الحرب.. وهذه المشاعر ربما تؤثر على ثقتهم النسبية في قادتهم ورؤيتهم للعالم طوال حياتهم تماما كما فعلت حرب فيتنام مع جيل الستينيات والسبعينيات.. فمن المؤكد أن هذه الحرب جعلت الشباب الأمريكي أكثر وعيا بقضايا العالم من حوله.. في الوقت نفسه أثارت العديد من المخاوف بشأن مستقبلهم ومستقبل بلادهم.
يقول جونسون هولت الطالب في السنة الثالثة في جامعة دي بول الأمريكية (بكل أمانة أحاول ألا أفكر في مستوى الخسائر؛ فهي تصيبني بالقلق، وأنا لا استطيع أن أؤدي عملي إذا فكرت في تلك الخسائر).
وأضاف أن الانتخابات الأخيرة في العراق كانت مبشرة جدا وخطوة في الاتجاه الصحيح (فقد منحتني الثقة في بوش.. ولكني مازلت متشككا تجاه سياساته الأخرى.. فأنا أخشى من أن تفاجئنا الحكومة العراقية الجديدة بطلب شيء (مجنون) أو شيء غير متوقع).
أما نويل بابا وهو طالب آخر في جامعة دي بول فيرى الحرب من منظور واحد.. فوالده مسيحيان عراقيان تركا بغداد عام 1971 قبل مولده وبعد وصول حزب البعث للحكم، وعاشا في كندا عدة سنوات قبل الانتقال إلى الولايات المتحدة.
يقول نويل (والداي والكثيرون من العراقيين في أمريكا يؤيدون الحرب.. ولكنني لا أعتقد أننا كنا قد استنفدنا كل السبل لتسوية الأزمة دون حرب وإنما أرى أننا اندفعنا نحو هذه الحرب).
وأضاف أنه رغم الانتخابات العراقية الأخيرة فمازال العراق دولة خاضعة للاحتلال.
ومع ذلك فهو يرى أن العراق أفضل بدون صدام حسين الذي أجبر الكثيرين على مغادرة البلاد عندما وصل إلى الحكم.
ومهما كان موقفهم من الحرب فإن غالبية الأمريكيين يحاولون ويجنحون الى تجنب التفكير في الحرب وهو ما لم يكن يحدث أثناء حرب فيتنام.
في الوقت نفسه فإن الأمريكيين حريصون تماما على إظهار تضامنهم ودعمهم للقوات التي تحارب هناك.. ففي أثناء مناورات الربيع بمنطقة ميسا بين شيكاغو كوبس وكنساس سيتي كان الناس يستقبلون الجنود الأمريكيين بترحاب كبير، كما أن منازل أفراد الاحتياط الذين غادروها إلى العراق لم تتعرض لأي عمل عدائي من جانب الأمريكيين.
من فيتنام إلى العراق
وعلى صعيد المقارنة بين هذه الحرب وحرب فيتنام تقول جو شبرد وهي سيدة مسنة تقاعدت عن العمل: إن التشابه بين الحرب في العراق والحرب في فيتنام كبير.. فمن المؤكد أن القوات الأمريكية ستبقى في العراق أكثر من عامين وهو ما يفوق توقعاتنا في البداية.
وهي تأمل أن يتخذ الرئيس بوش قراره بالانسحاب من العراق في أقرب وقت.
تقول شبرد (نحاول دائما تسوية صراعات الدول الأخرى ولكن ذلك يتم دائما بسعر باهظ بالنسبة لنا.. واعتقد أنه علينا الاهتمام بمشكلات شعبنا).
في المقابل فإن الحديث عن مستنقع عراقي على غرار مستنقع فيتنام بدأ يتلاشى.. ويقول تشارلز موسكوس الذي يدرس علم الاجتماع في جامعة نورث ويست إن غالبية زملائه في هذه الجامعة يرون أن الحديث عن المستنقع العراقي (هراء).
يقول الدكتور موسكوس (الحرب لم تكن حدثا مؤثرا بالنسبة للأمريكيين فقد اكتفى الأمريكيون بإبداء قدر من الوطنية المحدودة التي لا تفرض على الشخص التضحية من أجل باقي المواطنين).
في المقابل فإن استطلاع رأي الشباب الذي أجراه معهد جالوب العام الماضي أشار إلى أن نسبة الشباب التي تؤيد الرئيس بوش تفوق نسبة الكبار وهو على عكس موقف الرئيس الأسبق ليندون جونسون الذي أشعل الحرب الأمريكية ضد فيتنام في ستينيات القرن العشرين.
المعنى نفسه يؤكده الدكتور وليامز الذي يقول إن الحرب في العراق غيرت نظرة الشباب الأمريكي إلى العالم، ولكن ليس بنفس الدرجة التي فعلتها الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر.
ويقول وليامز (إن الشباب الأمريكي سيكون أشد تسامحا مع أي أخطاء ترتكب في العراق في ضوء تأثيرات هجمات الحادي عشر من سبتمبر عليهم).
وتؤكد نتائج مسح أجرته مؤسسة جالوب مؤخرا هذه الفكرة.
فقد قال ثلاثون في المئة من الشباب الأمريكي انهم يتوقعون أن يكونوا هم أو أحد أقاربهم ضحايا لعملية إرهابية.
كما قال نحو 75 في المئة منهم أنهم يثقون في قدرة بوش على حماية الأمريكيين من الإرهاب.. كما أن من أوجه الاختلاف بين الحرب على العراق والحرب على فيتنام من حيث تأثيرها على رؤية الشباب الأمريكي للعالم وللمستقبل أن حرب فيتنام استمرت نحو عشر سنوات وكانت تهديدا مباشرا لكل شاب أمريكي في ظل نظام التجنيد الإجباري الذي كان معمولا به في الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
وبشكل عام فإن الكلام الحماسي المعارض للحرب في العراق بدأ يتقلص منذ انتهاء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي ولكنه لم يختف تماما.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|