* * تقاعد الشاعر الكبير صالح الأحمد العثيمين من عمله في إدارة التعليم بعنيزة مبكرًا ( عام 1976 م)، وأمل بعضنا أن يكون ذلك مقدمةً لعطاء إبداعي ومشاركات ثقافية، وبخاصةٍ أنه - إضافةً إلى شاعريته - قارئٌ جيد، وقد روى الدكتور عبد الله الغذامي - في تجربته القرائية - أنه قد باع دراجته الجديدة التي اشتراها له والده بمئتي ريال مقابل مئة وثمانين ريالاً أسرع بها إلى مكتبة اليحي التجارية بعدما عرف أن شاعرنا أبا خالد قد باع مكتبته عليهم وتحصل أبو غادة مقابلها على نواة مكتبته المنزلية العامرة.
* * يبدو هذا قدرَ الشعراء ؛ فقد روى الوالدُ - رعاه الله - أنه اشترى بعض ما كان يبيعه الشاعر الغائب إبراهيم الدامغ - جمع الله له الأجر والعافية وختم له بخيري الدارين - ومنها «ديوان المتنبي بشرح البرقوقي» في أربعة مجلدات، ولعلها الحاجة الماديةُ أو الاكتفاء بالقراءة الأولى والبحث عن الجديد، وما تزال المكتبات المنزلية تمثل قلقًا لأصحابها لخوفهم على مصيرها بعد رحيلهم ، وكان هذا مدار حديث خاص قريب مع أستاذنا وصديقنا المثقف إبراهيم العبدالرحمن الزامل، وهو قارئٌ متميز يحتفظ بمكتبةٍ نادرة، وقد سبق أن طرح صاحبكم هذه المشكلة التي لا تُهمّ إلا القلة، ومع وسائط التقنية يبدو أنها لن تُهمّ أحدا.
* * نعود لشاعرنا العثيمين الذي أعد نفسه بعد التقاعد لحياة استرخاء هانئة ؛ فكان منزله مثلما مزرعته نموذجين في جمال التنظيم وجدة وجودة التصميم في وقت ما سمي « الطفرة الأولى «، ولا يملك صاحبكم معلوماتٍ عن التحولات التي طرأت في حياة أستاذنا وجعلته يؤثر العمل التجاري ويرتحل داخل وخارج الوطن ؛ محتملا وعثاء السفر ومنشغلا بهموم شعيره عن أوراق شعره، وحاول صاحبكم التحاور معه بصراحة ومباشرةٍ فاستضافه في صفحته « قراءة في مكتبة «، وبقيت أسئلةٌ لم يجب عنها وما الظن أنه سيجيب وهو الشاعر المسكون بالذوق واللطف والطيبة والكرم إلا لو كتب سيرته وأفرج عن مخطوطاته، وعسى أن يفعل بالرغم من المعاناة الصحية الطارئة بحول الله.
* * نشأت صداقة وثيقة بين الشاعر الكبير والمحرر الصغير منذ عام 1405هـ ؛ ما أبقتهما – رغم مسافات المكان وشح اللقاءات - على تواصلٍ نادر دعا الشاعر لإخراج مخبوءات مسوداته للنشر منها، وحيث لا مكان ثابتًا لشاعرنا « رجل الأعمال « فقد كان يتواصل هاتفيّا من كل مكان ليمليَ على صديقه نصوصًا لم تنشر، وربما مكثا ساعةً عبر الهاتف سواءٌ أجاءت المكالمة من الجوار أم من وراء البحار.
* * دام الحال عامًا أو يزيد قليلا، ثم عاد الشاعر لعزلته حتى أخرجته منها الجمعية الخيرية الصالحية حين كرمته في احتفالٍ مشهود ألقى فيه كلمةً مرتجلةً جريئةً عرضت الواقع المجتمعي والثقافي بقدرٍ وافر من الشفافية، وطبعت ديوانه الثاني « الشواطئ العطشى «، وظل محبوه يلحون عليه في طباعة ما تبقى لديه من دواوين ؛ فلعله يستجيب متجاوزًا ظروفه الصحية التي دعته للإقامة المؤقتة في الرياض لبعض المراجعات الطبية وندعو الله له بطول العمر ومزيد العطاء..
وفي الخطو التالي حكاية الأديب العربي الذي قاطعنا بغضب حين انتقدناه من حيث ندري ولا ندري.
Ibrturkia@gmail.com
twitter:@abohtoon