(أيتها المرأة المسلمة التي أغرقها التاريخ بشتائمه.. لقد أنصفك ربك من فوق سبع سماوات، وظلمك المفسرون) يتصدر هذا الإهداء كتاب «مفهوم المرأة بين نص التنزيل وتأويل المفسرين» الذي يقدم للقارئ دراسة منهجية عن مفهوم المرأة السلبي في التاريخ الإنساني حتى وقت قريب، وكيف وجد امتداده داخل التاريخ الإسلامي رغم ما حققه نزول القرآن في وقته من إنصاف للمرأة، الكتاب محاولة لمحو شيء من هذا الظلم التاريخي الذي لحق بالمرأة المسلمة بسبب بعض المفسرين، إنه محاولة فكرية جادة تسعى لإبراز حقيقة مكانة المرأة من خلال إعادة تسليط الضوء على آيات الله مجردة من التفاسير الخاطئة.
(يرى بعض كتابنا أن قضية المرأة قضية مخترعة ولا يعاني المجتمع المسلم من أي مشكلة في قضية المرأة، بل هو إعادة إنتاج لقضية المرأة الغربية وإسقاطها على المجتمع المسلم وخلق لواقع وهمي غير موجود!!) هذا هو التساؤل الأول الذي يواجهه القارئ في مقدمة الكتاب، ورغم أن ليس ثمة علامة استفهام هنا لكنه طرح ينبض بالسؤال، فالباحثة تلحق هذا الرأي بضمير الجماعة «كتابنا»، لأنها تنطلق من حيث تقف، في واقع مجتمعنا السعودي الذي يضج بهذا الرأي في كل حوار يخص قضية المرأة.
إنها المرأة الناقصة القاصرة، المرأة بوصفها النعجة أو الشاة، أو البقرة أحيانا، هي المرأة في بعض التفاسير القرآنية التي تدرس وتحفظ في حلقات العلم عبر التاريخ الإسلامي.
جنان التميمي، محاضر في جامعة الملك سعود، دكتوارة في لسانيات الإدارك، هي صاحبة دراسة «مفهوم المرأة بين نص التنزيل وتأويل المفسرين» التي صدرت طبعته الأولى ككتاب من القطع المتوسط هذا العام 2012 عن دار الفارابي، وجنان أستاذة اللسانيات تدرك أن اللغة العربية التي نزل بها القرآن، إذا ما تصدى لها رجال بخلفية اجتماعية عربية مشبعة بالتقاليد التي تحط من مفهوم المرأة، سيكون سبباً في تأولات خاطئة لآيات الله، لا تقارب المعاني الإلهية والمقاصد القرآنية.
ينقسم الكتاب إلى أجزاء ثلاثة كل جزء يشتغل على تساؤل محدد، أولها عن مفهوم المرأة عبر التاريخ، عند فلاسفة اليونان والمسلمين، والتساؤل الثاني عن مفهوم المرأة عند المفسرين، وثالث الأجزاء سيشتغل على مفهوم المرأة في القرآن الكريم.
من المثير في دراسة التميمي، أن التفسير القرآني يتخلف في وصف مفهوم المرأة كلما تقدم التاريخ الإنساني، بشكل آخر كلما كان تاريخ التفسير متأخراً عن عام نزول القرآن، سيكون تفسيرا مهيناً ومسيئاً لمفهوم المرأة، فبينما يتفق معظم المفسرين منذ عهد النبي عليه السلام أن الآية التي تخاطب بها مريم عليها السلام ربها {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} هي اعتذار عن عدم استطاعتها الوفاء بنذرها لخدمة بيت المقدس لاختلاف الجنس، يذهب السعدي بعد 1376 عام من الهجرة إلى تفسير الآية بأن المعنى هو أفضلية الذكر على الأنثى.
تعرج الباحثة في دراستها التي لم تتجاوز 140 صفحة، على مجموعة من الآيات التي أشكلت في الثقافة العربية، ولا ينفك المجتمع عن تداولها كأسباب أو أوامر إلهية لتمرير صنوف الإهانة للمرأة والتعدي عليها، فآية الضرب المرتبطة بالنشوز {وَاضْرِبُوهُنَّ} التي استخدمت كمظلة لحالات العنف الجسدي تجاه المرأة، تتوقف عليها التميمي متسائلة، كيف يتم اجتزازها من سياق النشوز الخاص جدا وإطلاقها كحكم عام، وكيف يتم أيضا تفسير النشوز بأنه عدم طاعة المرأة المطلقة لزوجها في حين يربطها النبي عليه السلام بالفاحشة المبينة، أي نقيض العفة الزوجية.
تخلص الباحثة إلى كيفية التفاف المفسرون على الآيات القرآنية حد مخالفة قواعد اللغة العربية، تتساءل كيف تحول تفسير الآية {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} من «هُبل» الصنم المخلوق من عقيق أحمر إلى أن المقصود هو المرأة! وكيف أصبح فعل يُنشأ للمذكر يشير في تفسيرهم لضمير هي المؤنث!
الاستفهامات التي يواجهها القارئ في دراسة التميمي لا تنتهي، فالتفاسير القرآنية تنطوي على الكثير من علامات تعجب بعدد الإساءات والإهانات التي تلحق بمفهوم المرأة فيها، فحتى الكيد الذي ينسب لله تعالى في القرآن، تحول إلى صفة ذم ونقصان عند المفسرين لأنه نسب للمرأة.
دراسة التميمي جنان تم تداولها بشكل كبير جدا على الإنترنت، داخل الأوساط العامة والثقافية على السواء، فهي مكتوبة بلغة سلسة ومباشرة تصل للجميع، دراسة منضبطة في منهجها وموثقة في مراجعها، هي دراسة تبدأ بسؤال وتنتهي إليه: لماذا يرفض مفهوم المساواة بين المرأة والرجل وهو مقصد قرآني صريح ومباشر؟!
الرياض