الأسماء المهمة في حياة كلٍ منا تتنوعُ وَفقَ اهتماماتنا؛ فربما كان ذا فضلٍ علميٍ أو موقفٍ أخلاقيّ أو قدوةٍ سلوكيةٍ وعمليةٍ وما في نطاقها، وذكرها كلّها يحتاج إلى وقتٍ ومساحةٍ بالرغم من أهمية ذلك إفشاءً لروحِ الوفاء والعرفان، وتحجيمًا من غلواء الذاتِ التي قد تظن أنها ولدت متكونةً وتنسى من وقفوا معها فأضاءُوا لها دربا.
يذكر أنه حكى عن بعض معلميه في التعليم العام «ومن في حكمهم» ونشر ذلك في مجلة» باريس نجد» المتوقفة، وقد يضيفها لهذه الخطوات لو رصدها في كتاب، لكنه «هنا» مقتصر على التجربة الصحفية وإن لم تخلُ من استطراد ؛ معتزًا بمعرفة كثيرين ظلوا في دائرة علاقاته العامة، ولا يعرف أنه خسر أحدًا وإن أغضب بعضًا لخطأٍ ربما ارتكبه دون قصد أو لأنهم ظنوا أن مهمة التحرير الثقافي حجبُ الآراء المعارضةِ التي تمسّ شخوصًا بعطاءاتهم، وله في ذلك مواقفُ وتوقفات.
قابله رمز صحفي كبير فعاتبه على ما نُشر ضدّه في صفحاته، وإذ لم يذكر أن قد مرّ به شيءٌ يمسّه فقد تساءل: أين؟ ومتى؟ وبقلم من؟ فأجاب: إنها جاءت مضمنةً مستترةً ولا ذكر لاسمه لكنه يعرف أنه المقصودُ بها؛ فحمد صاحبُكم ربّه على العافية.
ومثيلُه آخرُ قرأ مقالا انتقاديّا للمجلة الثقافية من كاتبٍ كبيرٍ نجلٌه ولم نجزعْ من ملاحظاته التي عددناها توجيهًا جميلا لنا، لكن صاحبَنا ظنّ أنه المعنيّ بفقرةٍ منها فعتب بل غضب وتوقف عن النشر.
وفي مناسبة أخرى كتب أستاذٌ أكاديميٌ ينتقد شخصيةً أكاديميةً في عملٍ علميّ فقامت الدنيا، وسعينا لإيضاح موقفٍ مبدئي في إتاحة النشر ما لم يحمل تجنيًّا شخصيّا أو يمسَّ ثوابتَ قاطعةً «دينيةً وسياسيةً ولكن أنّى لنا أن نقنعَ من يرى نفسه ضمن الثوابت.
وشكانا كُثُرٌ على أساتذتنا رؤساء التحرير الذين تعاقبوا على الجريدة، وكان دورُهم تهدئةَ الخواطر؛ فهم يقدرون مسؤوليةَ الكلمة بدءًا وعدم إخضاعها للمزاج الخاص، مع اقتراح التواصل معهم لإيضاح المشكل الذي ظُنّ إساءة.
وتجاوز آخرون فرفعوا علينا قضايا أمام الجهاتِ الرسمية المختلفة، وكان دورنا إعداد الردود المضمّنة وجهات نظرنا في القضية، وتوقف الأمر عند هذا الحد.
وفي مثقفينا من وظف نهج المقاومة السلبية فامتنع بهدوء ودون ضجيج عن الكتابةِ معنا، وربما قال في سرّه مع مريديه بعضَ ما أزعجه منا.
الصور أكثر من أن تُحصر، والأسماءُ لا دلالة لها هنا؛ فالطابعُ السائدُ هو العتبُ السريع عند نشر ما يستهدفُ المثقفين، ويلوم صاحبكم نفسه لأخطاءٍ ارتكبها في إتاحة نشر بعضِ ما لا يُباح عرفًا أو لمساسه بأعيانٍ متكئًا على مبدأ الحرية وعدم العصمة كما عدم التوافق مع «سُميّة « اللحوم البشرية، وفي المقابل ثمة رموزٌ مضيئةٌ تحترمُ دور الحوار المفتوح المنطلقِ دون حمايةٍ مشخصنةٍ مع المحافظةِ على الموضوعية والمنهجية والنأي عن المساس بالسلوك الفردي أو المناحي الخاصة.
يذكر الأستاذ الدكتور عبد الله الغذامي الذي انتقد طويلا ومريرًا عبر الصفحات الثقافية قبلًا والمجلة الثقافية بعدًا، ولم يعتب علينا أو يشكُنا، ووضعنا عنوان الثقافية - بعد صدور كتابه حكاية الحداثة- (حكاية الغذامي)، وفيه ما فيه من الرمز، ولعلنا من أوائلِ من واجهوا الكتاب بهذه الرؤية التي سعت لإحالته من قضيةٍ عامة إلى سيرةٍ ذاتية، وكُتب عنه مقالٌ زادت قسوته مدعيّا أنه أفسد الثقافة السعودية، ولم يشأ صاحبكم مفاجأته به فبعث إليه - بعد طباعة المجلة الثقافية وقبل توزيعها- بصورةٍ منه أعقبها اتصالٌ منه يؤكد على أهميةِ الرأيِ الحرّ مهما جار.
وفي المقابل؛ فحين قامت ضجة الحداثة في أواسط الثمانينيات، وبالرغم من الوهج الذي كانت تصنعه «مانشيتات» الصفحات إثارةً واستثارة فقد نأت الجزيرة عن أن تلغَ في عقائد الناس وأعراضهم، ورضيت أن تنزويَ في وسطٍ مائجٍ وتخسرَ قراءً عديدين، ولو فعلت لدخلت في ذمم الناسِ ولحملت وزرَها أمام الله، أما مادون ذلك فالعمل الصحفيُّ ذو أُطُرٍ لا يجوزُ إخضاعها للأمزجةِ المتغيرة التي تطالبُ بتقديسٍ فئامٍ و تدنيس آخرين.
والخطوُ التالي سيقول جديدا.
Ibrturkia@gmail.com
:@abohtoon