في بيوتنا نشتكي ملل الأيام وسرعة الزمان، نّحن دائماً إلى أمسنا، مهما كان قاسٍ أو حزين، ثمة علاقة خاصة يعيشها السعوديون مع الزمن، تحكمها ذاكرة قصيرة وضيقة، إنهم يكرهون الآن، اللحظة، لكنهم يؤمنون بالواقع كحتمية، يتوقون لغد والآجل لكنهم لا يعنون بالمستقبل ويضحكون من محاولة تدبيره قبل أوانه.
إنهم بشكل ما يعتقدون بتملك الزمن لهم، ورغم أن شعوب وثقافات أخرى كثيرة تؤمن بسطوة الزمن على الإنسان، إلا أن السعوديين وحدهم لا يؤمنون بقدرة الإنسان على تحييد الزمن، تحييد صورتنا عن سطوته المطلقة.
كانت فكرة تدبير إجازة العام القادم محل سخرية تنطوي على خوف، فمن يجرؤ على الثقة بحاله غداً، كانت الدعوة المعتادة هي أن الله سيؤتينا خير القادم، كأنما التفكير في شكل القادم يعني التجرؤ على الله، كأن تدبير الغد من اليوم خدشٌ في الإيمان المطلق بقدرة الله. لم نكن نضحك فقط من الثقافات الأخرى التي يرسم الإنسان فيها خطة مستقبلية بكل تفاصيلها، لقد كنا نتساءل في سرنا عن مدى ثقتهم بالحياة، كأننا نتساءل لماذا لا يخافون من الموت! ليست المسألة ثقافة شعب غير منظم ويعيش بعشوائية فقط، بل في معنى آخر، معنى مرادفة الحياة للخلود، ومرادفة الزمن للموت، ما يعني أن التفكير بالمستقبل ومحاولة تدبيره بدقة فيه تعدي على الإيمان بحقيقة الموت، إنها جسارة مواجهة الموت، ونحن نخاف الموت، ونخاف من لا يخافه أكثر.
في بيوتنا، أيامنا المملة والمكررة تحاصر أرواحنا، نئن تحت وطأة الحياة الجافة التي لا تمضي وتثقل علينا، لكننا في لحظة ما من العمر، نجد أنفسنا نشتكي سرعة السنوات التي تمضي كلمح البصر، فلماذا تسرع السنين وتبطئ الأيام، أليست الأيام والسنوات كلاهما زمن واحد، كلاهما قيمة واحدة، ألسنا نحن أنفسنا نعيش الاثنين، نحن أنفسنا العالقون في هذه المفارقة.
الدعوة إلى مراجعة علاقة الإنسان بالزمن في بيوتنا، تعني الدعوة إلى مراجعة معانٍ كثيرة يطويها الزمن، المستقبل، الحلم، الخطة، الماضي، التراث، الواقع، القدر، الحياة، والموت، وأن نبدأ أول ما نبدأ بالموت، ذلك لأن حياتنا تبقى أسيرة مصيرها الدائم، النهاية، لكن الإنسان في كل الثقافات يؤمن بهذا، بينما نحن نتوقف بإيماننا على الموت، خائفون من الإيمان بأننا ما زلنا أحياءً، خائفون من الحياة.
lamia.swm@gmail.com
الرياض