بديهي أن لا يذكّر الكاتب بأهمية الثقافة في حياة الناس، في الوقت الحاضر، ما دام أن في العالم بعض فصائل الحيوانات تدرك أهميتها حد أن بعض القرود تمكنت من إحراز تقدم مذهل في هذه الناحية، بل إن بعض الكلاب حصلت على عائدات مالية لأنها أتقنت أدوارها في المسلسلات التيليفزيونية.. فالثقافة إذن عامل مؤثر في حياة الشعوب وهي التي تقف خلف قناعات ورؤى المرء وهي التي تنأى به عن أن يكون منقادا لرغباته السلبية أو تابعا للآخرين، وهي - أي الثقافة - التي تنعكس بجلاء على سلوكه، وعلى منجزه الحضاري الذي يفخر به بين أقرانه ومعارفه، بل وبين ربعه على مد الوطن العربي الكبير - نزار قباني وغازي القصيبي رحمهما الله نموذجان -.. وكلما كانت الثقافة في حياة الفرد والجماعة متدنية فإن سلوكهم وتصرفاتهم تظل محل استهزاء واستهجان المجتمعات الواعية، إذ يتجلى كل ذلك في أقوالهم وأفعالهم لأن الجهل لا يتجزأ، وهنا تأخذ المكابرة دورها عند النماذج التي تحتل أماكن أكبر من قدراتها المتواضعة، خاصة عند ما يوزع أفرادها الابتسامات الصفراء يمينا وشمالا مستدرين دعم الأتباع الذين يزيّنون لهم سوء واقعهم وهلامية أفكارهم.. لكن الاضطرار إلى التذكير بها يشفع لحاملي الهم الثقافي لأن يفعلوا هذا الأمر، وإن كان الواقع يقول كما قال الشاعر العربي: «لقد أسمعت لو ناديت حيا... ولكن لا حياة لمن تنادي»!!
وإن الإنسان ليعجب عند ما يرى أن التخلف وقيوده الغليظة لا تزال ذات فاعلية في حياتنا وما ذاك إلا لأن شرائح عريضة من مجتمعنا لا تزال تنظر للثقافة على أنها ترف ثانوي لا يستحق مجرد التفكير فيه ناهيك عن الجري خلفه، ومن أظرف ما سمعت أن أعرابيا في العصر الحديث يرى أن ذبح الجدي هو معيار الرجولة عنده على الرغم من أنه يستخدم في حياته اليومية مبتكرات شتى أنتجتها عقول مثقفة لأناس ليس من بين اهتماماتهم كيفية ذبح جدي.. ولكي لا نذهب بعيدا نشير إلى ضآلة الملتفين حول الأندية الأدبية الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة في بعضها، مما لا يمكن اعتباره مؤشرا حضاريا على الرغم من أن ما تقدمه يُعد في أغلب الحالات شيئا إيجابيا، فالقوم يرون أن في حياتهم شيئا أولى بالمتابعة من التثقيف كالعرضة الجنوبية في مناسبات الأعراس حيث يطربهم «الزير» وما يصاحبه من ردح فرسان التسطيح القائم على السباب وتمجيد النعرة القبلية والادعاء بأن قبيلة المتشاعر قطّعت رؤوس البساس ولا تزال سيوفها مسلولة لكسب المزيد من البطولات(!) وفي هذا الصدد كادت قبيلتان أن تدخلا في صراع قبلي على لقب أشبه ما يكون ب»فقاعة صابون»!!
ثم داهمتنا فضائيات فارغة يملكها أناس ليس لهم حظ من الثقافة، وهم الذين يرسخون التفاخرات الهلامية على أنها «فخر الموجود» بحيث يصبح كتمانها من قبل الجهات المسؤولة عن أقمار البث العربية أمرا جوهريا رحمة بأفكار الناس ومفاهيمهم، في زمن التفوق العلمي والتقني والتنظيمي الذي يفضي إلى مكاسب حضارية تلحقنا بالركب التقدمي أو حتى الاقتراب منه!!
أما ثالثة الأثافي فهي أننا حتى يوم الناس هذا لم نمتلك الطريق الصحيح الذي يوصلنا إلى المكانة الثقافية المفترضة، وما النقد الحاد الذي تُمنى به المرافق الثقافية والإعلامية في الوطن إلا شاهد إثبات على هزال المردود الثقافي من قبلها.. وتلك وأيم الله قاصمة الظهر!!
صورة
إذا لم يكن لدينا في ظل عشرات الجامعات، قناعة بأن بعض كتاب الأعمدة الصحافية وبعض المذيعين يقعون في أخطاء لغوية إملائية ونحوية لا تُغتفر، وأن وسائلنا الإعلامية ترعى هذه الأخطاء بإصرار عجيب، وكأنها صواب في صواب، فإنه يجوز للغيورين الترحم على عهد أبي تراب الظاهري والعطار والأنصاري رحمهم الله، إذ لو امتدت بهم الحياة لكانت لغتنا أكثر سلامة مما هي عليه الآن.. وعجبي!!
الباحة