أخي الأجل: سعادة رئيس نادي مكة الثقافي الأدبي
الدكتور علي حامد صالح الربيعي حماه الله
*.. أو.. *العجائز*.. لما فعلوه من أفعال؟
*.. يجوز لنا أن نخوض.. ((معارك حقيقية)).. بل.. (قوية).. وأيضاً.. *مفيدة*.. ونتمكن من وضع الكثير من.. (المصدات).. و.. *الأسباب*.. و.. *الحجج*.. التي تمكننا فعلاً من كسب تلك المعارك، أرجو ملاحظة أنّي قلت.. (كسب).. ولم أستخدم كلمة.. (انتصار).. أو.. (ننتصر).. لقناعتي بأننا جميعًا لا نعيش في خندقين، إنما نسكن في خندق واحد محمي ومحصن بحب وخدمة مكة المكرمة وأهلها المباركين. ولكن الكسب أو عدمه يعود للوسائل والأفكار والحجج والمنطق التي يملكها كل فريق، والتي يعتمدها في المعركة ليكسبها، وإن استمرت تلك المعركة زمناً طويلاً.
وأزعم أنني أجيد فن خوض وإدارة المعارك السياسية والثقافية والأدبية؛ فخبرتي في هذا المجال السياسي والثقافي والأدبي معروفة للجميع.
فالحجة، والمنطق، والفكرة، والموضوعية، والثبات، لها قوة مؤثرة في فعل الكسب، وهذا ما حاولته في كثير من المعارك التي دخلتها أو خضتها، برغبة مني، أو بدون، سواءً كسبتها، أو لم أكسبها.
*.. والتحكم في إدارة النادي. وهذه شهوة أتفهم أسبابها، بل ضروراتها.
والمخاطرة الكامنة والمخفية في معارككم التي طفت على (السطح) والحافلة بالمد والجذر، والتي أخشى - ما أخشاه - أن تقودكم سوياً إلى إلغاء، أو إقصاء.. (هوية النادي).. وإذابة.. (تاريخه).. العظيم والمشرف ورياديته في كل شيء.
أخي: إنني مؤمن بمناسبات التغيير الطبيعي، ولكن أرفض بشدة الاتجاه إلى إشعال.. (المعارك).. أو.. (الخلافات).. أو.. (الخصومات).. الداخلية بأي مؤسسة، وهذا أمر بالغ الخطورة على سمعة ومكانة وقيمة أدباء وكتاب ومثقفي وشعراء مكة المكرمة.
نحن في مكة المكرمة ملكنا قدرًا كبيرًا بل عاليًا من الخيال الأدبي، والشجاعة الأدبية. فأرجو - لطفاً - أن تحافظوا على هذه القيمة، وتلك المكانة، وذاك القدر.
*.. التي تهب بقوة على نادي مكة الثقافي الأدبي، إلا أن .. (قوى التخلف).. و.. (عناصر الاستبداد الإداري).. قد فرضت إرادتها وقوتها في تلك الفرصة، أو الفرص.
وبدلاً من قبول التغيير والإصلاح والنهوض بالنادي وفعالياته تم التدخل - وأعني تلك القوى الاستبدادية - لزراعة حقول.. (الألغام).. لتفجير كل من يقترب من مبنى وأروقة النادي، ليطالب بالتغيير والإصلاح والتطوير والنهوض به.
وكان لتلك.. (الألغام).. المزروعة بفعل فاعل، ضحايا، وضحايا كثر، أزعم أنني كنت أحد تلك الضحايا، رغم أنني دخلت تلك الحقول الملغمة بهمة ونشاط حيوي وحماس وقوة شديدة. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن. غير أن تلك الرياح لم تغرقني مع السفن الغارقة، ونجوت بأعجوبة؛ وذاك بفضل من الله العليّ.
أخي: إن وضع نادي مكة الثقافي والأدبي استفزني بقوة، كما استفز غيري، وأزعم أنه استفزكم، بل إنه استفز الشارع المكي، كما استفز المشهد الثقافي والأدبي في بلادنا. وبعد حالة الاستفزاز انهالت الأسئلة من كل حدب وصوب، ومن هنا وإلى هناك. لم يكن انهيال تلك الأسئلة عليّ فقط، بل حتى عليكم وعلى غيركم، وأخيرًا، جميعًا لم نجد الأجوبة المناسبة لتلك الأسئلة المشروعة وأهمها: لماذا وصل حال النادي لهذه الدرجة؟
وأشهد، آسفًا، أن تلك الإجراءات التي قامت بها وزارة الثقافة والإعلام - حينذاك - ممثلة في الوزارة ووكالتها للشؤون الثقافية - في ظني - تعكس أزمة سلطة شاخت في مواقعها، ولم تستطع الإسراع في خطواتها لمجاراة المتغيرات العصرية. وغفل من كان وراء تلك الأفكار والخطوات والإجراءات أن متغيرات ومتطلبات وإفرازات المرحلة تتجاوزها إلى مكان بعيد عنها، لكنها لم تشعر بذلك، ولم تشعر بالبعد. وهذه أزمة، لم تدركها الوزارة.
والمشكل الأكبر أن القائمين على الوزارة - حينذاك - لم يستطيعوا في ذلك الوقت نفسه أن يروا ضرورات المرحلة والتغييرات، لأسباب أعرف بعضها، وأجهل كثيرها. ولكنهم وقفوا وتمسكوا بمواقفهم وآرائهم، وهذه أزمة أخرى ضاعفت من تأزم الحدث.
ولكني.. أعرف.. وهذا مشكل إضافي لمن كان على رأس اختيار الأعضاء المعينين، وهو الدكتور عبد العزيز السبيل، وساعده بعض الحواريين الذين لم يعرفوا أقدار الرجال وقيمتهم، وهذه أزمة مضافة؛ لأن أعماله في تلك المرحلة تمت بعد حلقة طويلة في سلسلة من التصرفات والأفكار والسياسات الغريبة على الحدث، التي لم تساعده على خلق تماسك للبناء الأدبي والثقافي في مكة المكرمة، وربما غيرها من مدن وطني.
*.. كانت أدراج مكاتب المسؤولين تستوعب أكبر كمية من أوراق خطاباتي الإصلاحية والاعتراضية والتنويرية، وعملية التعيين وما تبعها سوف تسمى في تاريخنا السياسي والثقافي بمسمى.. (تجاوزات أخلاقية).. وخزي لشرف المهنة، ولقامات الرجال.
هذه ليست حقائق الأمور كاملة - كما يظن بعضكم - بل إنها كونت ظاهرة على مستوى الأندية في بلادنا، أظهرت العديد من الأجراح المنتفخة على سطح جسدنا الثقافي والأدبي.
*.. و.. *عراقة*.. نادي مكة الثقافي الأدبي، هو مصير محتوم لكم وعليكم، ينبغي ألاّ تلغى أو تهمش، أو تقصى، أو تذوب في مستنقعات مالحة؛ فالملح يذوب سريعًا في الماء. لا بد لكم من الإمساك باللحظات التاريخية التي عاشها هذا النادي العريق والمجيد؛ لأنه عاش حالات وإنجازات شامخة.
*.. بالقدر الكافي؛ فلم نتسمم لأننا محصنون بكل.. (أمصال الوقاية من السموم).. بل إن ذلك الانفجار زاد من صلابتي وقوة تماسكي، وتمسكي، بمواقفي ومبادئي.
*.. مع.. *الإرادة*.. وبقي الأمل يسكن في داخلي، وظلت إرادتي شجاعة وصلبة ومتماسكة وبقوة. هكذا كان وضعي ونحن في أجواء هذا الترهل الثقافي والأدبي.
أخي: علينا ألاّ ننسى أن.. (حرية الاختيار).. هي صيحة ومطلب وضروري لهذا العصر، ولكل عصر لا يريد غير الحرية. ورفض كل حزم.. (الاستبداد).. وكل أشكاله وفنونه وعلومه، التي قامت بتقسيمنا إلى أجزاء، بسبب أننا لم نتفق على الاختيار حين برزت فكرة.. (الانتخابات).. وهذه نتيجة طبيعية نحن من صنعها ونظَّمها.
أخي: لقد أحزنني ذلك.. (الصراع).. الذي بينكم، والذي ظهر بعضه في الصحافة، كتصريحات صحافية، وبعضكم - للأسف - لم يلتزم بميثاق الشرف الثقافي والأدبي في فعل الخصومة الثقافية؛ لأن البعض فجر في خصومته.
*.. بل .. *النوم العميق*.. وطبائع الحياة والأمور تقول.. (الانتخابات).. لا تعرف النوم وإنما تعرف وتعشق.. (الصحو).. و.. (اليقظة).. لأنها لم تُقَم لتنام أو تكسل؛ لذا لا بد لحركة الانتخابات أن تعلو في كل شؤون الحياة؛ حتى تهذب إرادات الإنسان وترتقي به، ولكن المؤسف أننا لم نفهم الانتخابات كما ينبغي، وكما هو مطلوب منا فهمه؛ وبالتالي هي لم تفهمنا بل إنها لم تعطنا الفرصة لكي نفهمها سياسيًا، وهذه مصيبة كبرى أرجو أن ندرك خطرها في القادم من الأيام.
*.. فوالله، ثم والله، هذا ليس مطلبي، ولا طموحي، ولا هدفي. صحيح أنه كان كذلك في مرحلة سابقة مضت بكل حماساتها وتحدياتها ورهاناتها، أما اليوم - فوالله - فإني أعيش حالة من.. (العفة).. و(العفاف).. و..(الزهد).. و..(الاقتناع).. من هذه الحياة ومتاعبها ومشاقها وإرهاقها.
لقد تعبت - والله - تعبت، فالتعب لا يمكن قياسه باتساقه مع وقائع حدثت؛ فلن أتدخل بمضايقتكم بالجلوس على مقعد من مقاعدكم، وأعدكم وعد حُرّ أنني لن أقترب منكم بأي شكل من أشكال المنافسة أو المضايقة. هذا بعض ما خطر لي، وليس كل ما لدي عن وضع نادي مكة الثقافي سابقًا وحاليًا.
*.. في الخروج من عضوية نادي مكة الثقافي والأدبي. ولي أسبابي، وظروفي، ومنطقي، وحججي، التي وضحت وشرحت بعضها لكم في هذه الرسالة. وبعضها سوف أحتفظ بها لنفسي لأبوح بها في زمنها ومكانها المناسبين.
وأقول لكم اليوم: أعود للوراء قليلًا لأكرر ما قلته لغيركم من السابقين، قوله تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ} (يوسف:41). وعفا الله عما سلف!
* - في اعتقادي - عادة يطلب من الكبار وهو أسلوب من أساليب التعبير عن.. *الرفض*.. و.. *الاعتراض*.. و.. *الاحتجاج*.. لموقف، أو حدث، أو إجراء، أو أسلوب وطريقة.
*.. عندما يصل المثقف إلى حالة متقدمة من حالات.. *اليأس*.. و..*الإحباط*.. رفضًا لأي نوع من أنواع المواجهة. ورأيت بأم عيني أن المواجهات تتلاحق، ولكنها فرغت من روحها وهدفها. ولمَّا كانت حقائق الأشياء تفرض أن تكون حقيقة للأمر الواقع، وعندما تظهر قوى تدافع عن مصالحها بطرق مستجدة علينا، كان لا بد.. *للاستئذان*.. أن يظهر لتكون حركته الأسرع والأوسع لمثقف مثلي يحفظ مكانه، ومكانته، ويحترم سمعته واسمه وتاريخه.
المشكل أننا مصممون على الوهم بأننا قبضنا على كل الأمور وخلفياتها، وفهمنا الواقع، ليس هذا فقط، بل اتجه البعض وبوقاحة، وهو قليل بالصراخ عاليًا، وقال: ولكننا استطعنا أن نخذل أصدقاءنا، والظاهر لي على سطح هذه المرحلة أن المصير لم يعد واحداً بعد عملية الانتخابات بل تعددت المصائر، وتشتتت الأهداف، وضاعت الغايات، وتبددت الأماني.
والظاهر لي أخيراً أن الثقافة السعودية لم تعد واحدة؛ لأن عملية الانتخابات أخذتنا إلى مسائل أخرى لم تكن في الحسبان ولا في الحسابات؛ فتقوت أيديولوجيات كانت غائبة عن مشهد الأندية الثقافية والأدبية، وسيطرت على الكرسي، بل الكراسي، والمباني والأروقة والدهاليز.
*.. قد يكون طريقة من طرق التشاور والمحادثة والمحاسبة مع النفس وتقليب الأمور وأوجاعها؛ فأنا أملك.. *نفساً لوامة*.. فتعاد القراءة للواقع والأحداث؛ فيصل الإنسان إلى قرارات جديدة.
*.. عملية من عمليات فك وإبطال مفعول.. *اللغم*.. الذي زُرع تحت المثقف أو الكاتب أو المصلح، لأن.. *اللغم*.. لن ينتظر إذن المثقف أو الكاتب أو المصلح حتى ينفجر، فخفت من.. *اللغم*.. الذي زُرع تحتي لينفجر فقمت وبحركة سريعة بفكه؛ لأنني لا أحب أن تنفجر الألغام تحت قدمي، رغم كثرة الألغام التي فُجّرت أمامي، لكنها لم تصبني بأذى.
وقد يكون الاستئذان سلوكاً لاحترام الحدود والمقامات.
*.. سلوكاً أو إجراء يفعله المثقف أو المصلح أو الكاتب حتى لا يصطدم مع.. *الحاكم*.. أو إحدى سلطاته فيقع ما لا تُحمد عقباه.
*.. وعي بالانتخابات وفكرتها وهدفها ومحدداتها وغاياتها، وليس مجرد بناء مبنى نادٍ ثقافي أو أدبي. إنني مؤمن بأن بلادنا العزيزة تحتاج الآن إلى انحياز منا جميعًا للبناء أكثر من الهدم.. والبعد عن الاختلاف والخلاف.
*.. لأنني لمست أن قضايا النادي ومشاكله تدور عبر منهج.. *التفاوض*.. بين هذا وذاك. ولأنني مؤمن - مرة أخرى - بأن التفاوض في أي مشكل أو قضية يدور في حلقة مفرغة؛ لأن كل فريق متمسك بمواقفه وآرائه وتصلبه، وهنا يفقد التفاوض أهميته ودوره؛ لأن الإنسان يجد نفسه فجأة يتفاوض من أجل التفاوض، لإقناع نفسه بأنه فعل شيئاً ما، وهذه حالة نفسية خطرة جدًا بين الضمير والوجدان؛ فرفضت أن أعيش هذه الحالة النفسية الخطرة؛ لأنها غير مأمونة العواقب، ولا تحتمل التردد.
*.. و.. *التفريط*.. الذي يجرف كل خصب من الأخلاق والقيم والمبادئ الراسخة في النفس، وتزيح هذه الحالة حرمة الكبار والقامات، وهذا ما لا أريده لنفسي، وهذه الحالة أيضًا تعمل على زيادة.. *الاستفزاز*.. وتستدعي أشياء كثيرة من أرصدة الإرادة والوطنية، وهذا ما أخشاه على نفسي ولا أريد فعله؛ لذلك قدمت.. *الاستئذان*.. على كل شيء أمامي.
أخي: يبقى لي في نهاية رسالتي هذه أن أقدِّم لسعادتكم الشكر والتقدير ولجميع أعضاء مجلس الإدارة الفضلاء، وأعضاء الجمعية العمومية النبلاء، على اهتمامكم وحرصكم بحضوري وبرأيي.
كما أرجو من سعادتكم الكريم أن تنقلوا لكل أعضاء الجمعية العمومية خالص محبتي وتقديري لهم، وولائي لمهنة الأدب والثقافة والصحافة.. مع تزويد جميع الأعضاء بصورة من رسالتي هذه.
وترحيبي، وتقديري، واحترامي، لكل القيم والأخلاق السامية، التي ترفع ألويتها؛ لتبقى صداقتنا ومحبتنا مستمرة ومستقرة.
والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.
محبكم الحقيقي الكاتب الصحافي
الدكتور: زهير محمد جميل كتبي
جانب من رسالة مطولة بعث بها الأستاذ زهير كتبي لرئيس نادي مكة الأدبي