كلَّما أقبلنا على مرحلة من مراحل الحقبة الجديدة للأندية الأدبية، حقبة الانتخابات واللائحة، صدمنا بالبون الشاسع بين نصوص اللائحة وبين واقع عاجز عن تطبيقها. تلزم اللائحة أعضاء مجلس الإدارة وأعضاء الجمعية باجتماع اعتيادي مرة كل عام. وقد قام مجلس إدارة نادي جدة بالمطلوب من إعلان ومتابعة وتزويد الأعضاء بجدول الأعمال، أي أن النادي نفذ تعليمات اللائحة بالحرف الواحد، فلا تثريب.
دُعينا فلبّينا، ذهبنا وسلاحنا موقعنا من الإعراب في هذه المنظومة الديموقراطية المستجدة، موقعًا نستمده من اللائحة التي ترفع مكانتنا عاليًا وتمنحنا كل السلطة: «الجمعية العمومية هي التي ترسم سياسة النادي، وتراقب تطبيق لوائحه» المادَّة 26 . نحن إذا من سيتولى رسم سياسة النادي، ونحن من سيتحقق من التزام مجلس الإدارة بتطبيق اللوائح. كم هي عظيمة مهمة الجمعية العمومية!!
جلسنا في أماكننا حتَّى اكتمل النصاب المطلوب للاجتماع الثاني، ووزعت علينا الأجهزة الإلكترونية إياها بعناية فائقة وحسب أرقامنا ومقاعدنا، ثمَّ بدأ الاجتماع. على شاشة كبيرة عرض رئيس النادي الوضع المالي للنادي منذ أن تسلّم هذا المجلس مهمة إدارته، ثمَّ عرض أوجه الصرف بشكل شمولي مبهم، كأن يقول مثلاً: إن فاتورة الكهرباء تكلفتها كذا وصيانة المبنى كذا ورواتب الموظفين كذا، دون تفصيل ولا دليل، بمعنى أننا لم نر الفواتير ولا عرفنا من هم الموظفون، ولا ما هي مهامهم، ولا راتب كل منهم. ونحن بالطبع لا نخوّن أحدًا، ولكن لو أردنا أن نراقب الوضع المالي حتَّى نوافق عليه، كما تنص اللائحة، فلا بد لنا من الاطلاع على كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما لم يحدث. إن لم نر تفاصيل الميزانية ولم نطلع على كشوفات المصروفات، فكيف ستكون لدينا القدرة على المصادقة على الميزانية والحساب الختامي للسنة المالية المنتهية، ومن ثمَّ إبراء ذمة مجلس الإدارة والمصادقة على مشروع الميزانية للعام الجديد 2 من المادَّة 19؟ تلك هي مهمة أعضاء الجمعية العمومية، لكن الأمر انتهى بهم بالتصويت على الخطوط العريضة المبهمة فقط!! ثم انتقل الرئيس إلى عرض الأنشطة التي تم اعتمادها لما تبقى من هذا العام المالي، وهي أنشطة تتماشى مع خطّ سير الأندية الأدبية منذ إنشائها، أنشطة منبرية مختلفة الموضوع: أمسية شعرية، حلقة نقدية، محاضرة، ملتقى....
كل ما في الأمر ضيوف مشاركون فرادى وجماعات للخوض في موضوعات مختلفة. طبعًا وافق الأغلبية على الأنشطة في شموليتها أيضًا. وتساءل أحد الأعضاء عن قيمة موافقتنا أو عدمها، فالكل يعرف أن الأنشطة سترفع للجهات المسئولة للحصول على التصريح أو المنع.
جئنا إلى الاجتماع ظانين أننا سنرسم سياسات، فإذا بالرسم قد اكتمل وكل ما علينا أن نفعله هو أن نهز رؤسنا ونرفع أيدينا بالقبول أو الرفض، ثمَّ تحسب الجولة للأغلبية. هل قلت أيدينا؟ نعم، لغرض ما لم تعمل الأجهزة الإلكترونية، وتم تجأهلها حتَّى دون تصويت من جانبنا. أمسكنا بالأجهزة ولم نستخدمها، ثمَّ أعدناها في صمت.
جئنا إلى الاجتماع لنعطي رؤيتنا وقراراتنا، فإذا بالأمر قد حسم!! كان مجلس الإدارة الذي «هو السلطة التنفيذية للنادي ومهمته القيام بتحقيق أهدافه وتنفيذ قرارات الجمعية العمومية» المادَّة 27، قد تلبّس دور الجمعية العمومية، ووضع للنادي سياسة ورؤية وهدف وبرامج وأسند الأدوار وشكل اللجان واستأثر برئاستها وإدارتها، وبعد أن انتهى كل شئ، جاء يعرض علينا مشروعًا قد اكتمل، فصوتنا عليه في مجمله، وفاز بأصوات الأغلبية. كيف يتسنى لأعضاء الجمعية العمومية «الموافقة على تقارير مجلس الإدارة عن أعماله» وهو لم يطلع أصلاً على أي تقارير؟
قرابة السبعين عضوًا كانوا متلهفين للتداخل وإبداء الرأي، وكان التنافس على المايكروفون على أشده، لكن ضيق الوقت لم يتح الفرصة بالطبع للكل بالتداخل، وإن سمح للبعض بالتداخل أكثر من مرة!! تلخصت المداخلات في اقتراحات بسيطة وعدّ رئيس النادي بالنظر في أمرها. وتوقفنا قليلاً عند مسألة أثارها رئيس النادي، وهي مسألة الصالون النسائي، وتوالت الاعتراضات من الرجال والنساء، وتولت الاخوات صاحبات الفكرة الدفاع عنها، وحين طلبنا الاحتكام للتصويت أجاب رئيس النادي أن الفكرة لم تكتمل بعد، وأنها غير مدرجة على جدول الأعمال للتصويت. من حقه طبعًا أن يرفض التصويت في حينه، فاللائحة تعطي مجلس الإدارة فقط حق مناقشة ما يستجد من أمور يرى عرضها 5 من المادَّة 19. أما الجمعية العمومية راسمة السياسة، وواضعة الأهداف، ومراقبة اللوائح، وصاحبة القرارات فلا يحق لها شيئًا.
لا يحق لأعضاء الجمعية طرح المستجدات ولا طلب عقد الاجتماعات مع مجلس الإدارة، فالاجتماع السنوي الاعتيادي يتم بدعوة من رئيس مجلس الإدارة نفسه المادَّة 18، أما الاجتماع الاستثنائي فلا يعقد إلا بناء على طلب مجلس الإدارة، أو بناء على طلب موقع من ربع العاملين على أن يتضمن تحديد الموضوعات المراد مناقشتها، أو بناء على دعوة الوزير المادَّة 23. المجلس يطلب دون شروط، والوزير يطلب دون شروط، لكن أعضاء الجمعية أن أرادوا الاجتماع لا يستطيعون ذلك إلا بشرطين: أن يكون عددهم ربع العاملين، وأن يحددوا الموضوعات المراد مناقشتها. الجمعية العمومية تنفيذية بامتياز.
خرجنا من الاجتماع كما دخلناه، لم يتغير شيء ولم ينقص أو يزيد. مجلس الإدارة هو المتحكم الوحيد وهو المتفرد بالسلطة، أما أعضاء الجمعية فثلة من المتفرجين، أن اعترضوا جاءهم التبرير، وإن اقترحوا جاءتهم الوعود، وفي النهاية ظلَّ المكتوب على الشاشة كما هو تمامًا لم يتبدَّل منه حرف واحد سواء هززنا رؤوسنا أو رفعنا أيدينا أو رفضنا أو امتعضنا.
لنكن صرحاء مع أنفسنا ونعترف أن توصيف اللائحة للجمعية العمومية ما هو إلا وهم زائف. نحن لم نرسم سياسات النادي، ولم نراقب تطبيق اللوائح ولم نضع أهدافًا ليحققها لنا مجلس الإدارة ولم نصدر قرارات لينفذها. مواد اللائحة في وادٍ، والجمعية المنعقدة في وادٍ آخر. قدمنا إلى الاجتماع كضيوف مدعوين، وخرجنا مباركين حسن الضيافة... فقط!!
جدة
lamiabaeshen@gmail.com