حينما نتحدث عن السينما فنحن نتحدث عن مصدر من أهم مصادر «المعرفة والتنوير».. بهذه المقدمة تحدَّث المخرج السعودي الشاب عبدالرحمن عايل، وهو يدشّن فيلمه (نكرة) الذي حاز على رضا النقاد والجماهير في مهرجان الخليج السينمائي الخامس المقام في دبي في أبريل الماضي، فقد حصد انتباه النقاد السينمائيين لطرح رؤاهم لنقد عمله في عدّة صحف خليجية وعالمية؛ أشادوا خلالها بالفيلم وبالتمكن السينمائي للمخرج.
يقول عايل إنّ (نكرة) فيلم يجسّد ذات المخرج، فهو يعالج بأسلوب درامي شيق قصة شاب يحمل فكرة وهذه الفكرة لا تسلم من الوصاية حيناً ومن المصادرة والتعدّي حيناً آخر، حتى اضطر في الفيلم لإيجاد طريقة فريدة لحماية فكرته من كل هذا الهجوم، فبطل الفيلم في القصة يختار جسراً مرتفعاً للنجاة بفكرته من الدون، ومن أولئك المتأهبين لسلب فكرته بكل السبل، فنراه من خلال الصورة وهو يحفر فكرته حيناً في الهواء وأخرى على أرض الجسر ينظر في رمزية عميقة لمن هم بالأسفل مبتسماً، وقد بدا على بطل الفيلم الإجهاد الشديد.
بطلنا على الجسر يقطع الجسر ذهاباً وعودة لتنشأ علاقة عميقة جداً بينه وبين هذا الجسر، لكنه يحن إلى النزول وبصورة مشوشة جداً.. ها هو يحدّث النفس بالنزول أخرى ومواجهة الآخرين بفكرته نرى تردّداً كبيراً عليه، ومن ثم يقرّر النزول، وحين يختلط بمن هم بالأسفل تبدو على بطل الفيلم هذه الكمية الهائلة بالشعور بالوحدة والخوف من ضياع فكرته.
هذا الاستمرار في البحث عن مكان في الأسفل يحمي به فكرته يقوده إلى باب زجاجي لأستوديو تصوير، قد زُيّن بصور أطفال جميلة ليدخل بطلنا إلى هذا الأستوديو الشعبي، وحينما ترتسم عليه ابتسامة لعلمه بأنه سيحتفظ بنسخة منه غير قابلة للتعدّي، تظهر المفاجأة بعدم ظهور صورة بطلنا في الصورة تأكيداً لاسم الفيلم، ولعدم وجود الشخص بأي شكل من الأشكال التي قد تحفظ تفاصيل وجهه أو حتى بعضاً من فكرته.. ومع هذا يدفع مبلغاً مقابل هذه الصورة الفارغة منه المشكلة له، ومن ثم نرى بطلنا تارة أخرى يجوب شوارع المدينة معلقاً بعض صوره على بعض أعمدة المدينة.
وهناك صورة أخرى للبطل درامية، وهو يعود أدراجه إلى الجسر محتضناً صوره بشدة بادٍ عليه اكتساب فكرة جديدة استحثته للإسراع إلى جسره ومرتفعه، وحينما يعود إلى الجسر يفاجئ الكل بعملية انتحارية بالغة الدراما لإحدى الصور الكبيرة الحجم يرميها للأسفل؛ لأولئك العابرين المدينة بحثاً عنه غير آبه بهم، ومن ثم يقوم بتمزيق المتبقي من الصور الصغيرة ويرميها على السيارات العابرة من أسفل الجسر في مشهد درامي رمزي ساحر، وكأنّ بطل الفيلم يسلّم للمدينة الشخص الذي يريدونه أن يكون متمسكاً بفكرته في أعلى الجسر.
تخيّلوا أنّ هذا المخرج لا يجد ما يحمي به نفسه أو فنه من المتآمرين على السينما في بلادنا.. شخصيات كهذه كان من الأولى رعايتها واحتضان موهبتها وتقديم يد العون لها. كم تمنيت أن يفرح مخرجه برؤيته يعرض في صالة سينما ويناقشه مع أهله وأصدقائه في مجتمعه المحروم من ثقافة السينما وجمالياتها الهادفة.
جدة