أيّ رجل هو الشيخ عبدالعزيز سعود البابطين؟! إنه رئيس مجلس أمناء مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، هذا أكثر ما يعرف به ويعرف عنه في الأوساط الأدبية والثقافية والإعلامية العربية.
وهذه المؤسسة التي أسسها وأطلقها عام 1989 ويقودها وينفق عليها، وحملت اسمه، أثبتت حضورها المتميز على المستويين العربي والدولي، بنشاطها الجاد الكثير، وانتظام عملها، ومستوى ما تقدمه من أداء ثقافي عام وشعري إبداعي خاص، والتزام بقيم أدبية وقومية واجتماعية، واحترام للإبداع وتواصل مع المبدعين والجمهور.
وهو يقف وراء هذا الأداء المتميز للمؤسسة، ويتحمل أعباءها المالية ويتابع أعمالها، ويثابر على التقدم والريادة ورفع مستوى الاهتمام بالشعر العربي وفنونه ومقوماته وقيمه وعروضه، وبحركة نقد الشعر في الوطن العربي، وقد قدم من خلالها الأعمال الكاملة لعدد من الشعراء العرب والأجانب، في دورات مهرجان المؤسسة الذي أنجز دورته العاشرة، وقدم معجماً للشعراء العرب هو الآن في مرحلته الثالثة، إذ يترجم لشعراء العربية في المدة من1800م إلى 1300م والتطلع في هذا المجال ينصرف إلى أفق واسع يشمل الشعر العربي عبر تاريخه الطويل.
* فمن هو أبو سعود، عبدالعزيز سعود البابطين..؟
- هل هو ذاك الفتى الطموح الذي بدأ حياته العملية بائعاً بالمفرق على أرصفة شوارع مدينة الكويت وفي مواقف ومواقع منها، واستمر في عمله إلى أن أصبح وكيلاً لبعض الشركات، ثم رجلاً من رجال الأعمال والأموال العرب البارزين..
حيث يعد نجاحه قصة فريدة تدل على شخصية ذات تفرد في العمل والدأب والطموح والتبصر بالحياة؟
- هل هو ذلك الصياد الطموح الذي شفَّ جسمه وشفّت روحه إلى الدرجة التي ترى معها هواه يمور في خلايا الجسد..
ويطارد الحسنات والمكرمات كما يطارد القَنَص في البوادي، ويترصده حيث توجد مرابعه ومراتعه، فيشعرك بحيوية روح وجسد، وبتعلق بالخير، وبأنه في ذلك كله شاب في العشرين، سريع الخطو، صبور بصير لمّاح الرؤى على الرغم من أنه تجاوز الخمسين من العمر، وتجاوز الكثير من مصاعب الدهر، وما زالت لديه رغبات خيرات متفتحات على مجالات شتى..
تفنى الأيام ولا تفنى، وترْمَد مواقد نفوس على طريق العطاء ونفسه متقدة تحت الرماد في حالات، ومتوهجة تدعو إليها من يعشى ويخبط بليل وينشد راحة ونجدة وقِرى..
شأنه في ذلك شأن من يوقد النار في ليل الصحراء ويشبّها ليراها عابر الطريق والمقرور والمحتاج والجائع الفقير، فيجد عندها دفئاً وأمناً من جوع وخوف؟
- هل هو عاشق من عشاق اللغة العربية وخادم من خدامها، أقام على نفقته حتى الآن أكثر من عشرة كراسي للدراسات العربية واللغوية في جامعات أوروبية على الخصوص، لتكون تلك مثابات لمن يريد تعلم العربية والتواصل مع أدبها وثقافتها وأهلها؟ وما زال يتابع تقديم الدعم للغة العربية وللمؤسسات والبلدان التي يحرص أهلها على تعلمها..
وفيما علمت أن آخر محطاته مع دم اللغة العربية كانت في جزر القمر؟ والذي أنشأ مركزاً للترجمة من العربية وإليها، وعشرات المدارس في أنحاء مختلفة من البلدان العربية والإسلامية، وخص القدس وفلسطين بالكثير من جهده، فقدم مكتبة البابطين الكويتية في حرم جامعة القدس، لتقديم الخدمات البحثية لأبناء القدس وفلسطين، وخصص جائزة البابطين الكويتية للشعر العربي لشباب فلسطين..
وفي أثناء الانتفاضة المباركة وبعدها خصص ثلاثة مجلدات للشعر الذي كتب عنها، وما فاز منه في مسابقة أعلنها، حملت اسم محمد الدرة.
* هل هو ذلك الشاعر الذي كتب دواوين شعر منها «بوح البوادي» عام 1995 و«مسافر في القفار» 2004، ولُحنت قصائد له وغناها مطربون ومطربات، وحازت رضا الكثيرين، وتعلق بالإبداع وتشجيع الإبداع شعراً، وعاشق الشعر ومكرم الشعراء، وأحد الحريصين الكبار على أن تستعيد حركة الشعر العربي تأثيرها وحضورها الجماهيري، وفق أصول الشعر على الخصوص، وفي محافظة على قيمه ومقوماته، بما لا يجعله نهباً لاختراقات ضارة أو لجمود قتال؟ وواحد من الذين أحبوا عروض الشعر وتمسكوا به..
وأحد كبار الحريصين على تعليمه وتعلمه، ليرتفع الأداء شعراً فوق الخلط والخطأ والتعثر الذي يغدو عند بعض الفارغين تمرداً على العروض واللغة وكل معرفة أصيلة وصحيحة بالإبداع شعراً.
* هل هو ذلك المؤمن بأهمية العلم ودوره في الارتفاع بمستوى الناس والحياة، وقدرته على النهضة بالأمة العربية لتستعيد مكانتها الحضارية وتحمي حماها، وتدفع عنها الشر والعدوان بقوة المعرفة وامتلاك وسائل القوة على أسس متينة من العلم والتقانة.
* وذلك المحسن الصموت الذي يقدم لطالبي العلوم الدينية بعثات كثيرة في الأزهر الشريف على نفقته، لا سيما من أبناء آسيا الوسطى، ليعودوا من بعد إلى بلدانهم معلمين لعلوم الدين الإسلامي الحنيف، ومؤسسين لمعرفة دقيقة في المجالات الروحية والشرعية والسلوكية والاجتماعية التي تنعكس على الناس من حولهم: معرفة بالله والقرآن والحديث والسنَّة والشريعة والحياة وأصول الدين.. الإسلام، والدين عند الله الإسلام.
* هل هو من جعل مؤسسة البابطين للإبداع الشعري مؤسسة باقية ثابتة مستقرة لا تهزها عوامل الزمن والنزوات والشواغل والاهتمامات الأخرى، فأنشأ لها وقفاً ثابتاً شامخاً يتألق في فضاء مدينة الكويت ويشير إلى أحد أهم مآثر ذلك الرجل وإلى معْلم من معالم المدينة؟
- هل هو صاحب مكتبة البابطين التي غذَّاها معه أخوه الطيب عبدالكريم، فحوت كتباً ومخطوطات ودواوين شعر، وذخيرة مما كُتب في موضوع نقد الشعر العربي، وغير ذلك من أمهات المصادر والمراجع، في صرح جليل جميل، مستمر الأداء، يشرف على شاطي البحر كمنارة علم تدعو إلى المعرفة والتفكير والبحث والتبصر والتذوق والسير على جسور الإبداع لبلوغ غاية مع المبدعين ومن يتطلعون إلى عوالم الإبداع من الشباب والشابات؟ من هو عبدالعزيز سعود البابطين، الذي نال الكثير من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات معتبرة في معظم قارات الأرض، وكرمته وزارات وهيئات ومؤسسات وشخصيات ذات مكانة في المجال الثقافي والفكري والأدبي، على المستويين العربي والدولي، وحظي بسمعة ومكانة في الوطن العربي بوصفه شخصية ثقافية عربية ومبدع من المبدعين العرب.
؟ أقول بصدق إن الرجل هو كل هذه الأفعال والصفات التي أشرت إلى بعضها، ويكاد يكون عدة رجال في رجل. إنه ما عرفته عنه، وربما هو أكثر من هذا الذي عرفته من أعماله وشواغله الكثيرة التي يحرص على سرية بعضها.
إنني أزعم أنني ممن عرفوا هذا الرجل ورافقوه في سفر، وعملوا في مجلس أمناء مؤسسة البابطين التي هو رئيسها.. ولهذا أقول أعرفه.. ولكنني لا أكاد في بعض الحالات أعرفه، لكثرة وجوه الأداء والعمل والاهتمام الذي تميز بها في حياته.. لكنني أجزم بأن ما عرفته عنه وما لمسته منه، كان على درجة كبيرة من التعلق بالقيم الوطنية والقومية والخلقية والجمالية، ومن المبادرات الخيرة ومكارم الأخلاق.
وكنت مع زملائي إذا طلبنا منه أن تتبنى المؤسسة، أو أن يبادر هو إلى عمل، قد يكلفه الكثير من الأعباء المالية والعملية، وجدناه مبادراً مأخوذاً بحماسة مبنية على تفهم لأبعاد ذاك العمل المبادرة، ويتهلل وجهه لذلك، يصدق فيه قول الشاعر «كأنك تعطيه الذي أنت طالبه»..
إنه ينفق من حر ماله بسخاء على مهرجانات وندوات ولقاءات شعرية وأدبية وثقافية، وعلى جوائز للشعر ونقد الشعر، وبرامج تدريب وتعليم في مجالات منها باللغة العربية وعروض الشعر، وعلى أعمال خير كثيرة، ظاهرة وباطنة، مما يعجز عنه كثير من ذوي الغنى.
فهل صقل الشعرُ نفس هذا الرجل وروحه حتى رقّت حاشيته إلى درجة ترى معها الدمع يترقرق في عينيه حين يقف على إبداع يتجلى شعراً أو غناء أو موسيقى، أو على موهبة تتفتح كما يتفتح الزهر تحت الندى..
وترى منه مثل ذلك وأكثر، وبتواضع كبير، حين تلامس مسامعَه وشغافَ قلبه قضية إنسانية أو قومية، أو معضلة مما يتعرض له المسلمون اليوم في أنحاء الأرض من ظلم وقهر، أو تتعرض له الرموز الإسلامية من إساءة بجهالة على يدي من لا يعرفون الإسلام ولا ينصفون أهله، أو ممن أعماهم التعصب والتطرف والحقد، فأصبحوا عبئاً على الأديان والثقافات والحضارات والعقائد والقيم الإنسانية السليمة.
لقد شهدت مواقف من هذا الرجل فيها من هذه المشاعر والمبادرات الكثير، فكبر في عيني..
ووجدتني أدرج بعفوية على بساط المقارنة بين ثري وثري.. بين من يملك مالاً يستعبد روحه، ومن يملك روحاً تستعبدجسده وماله، وتسيرهما حيث يشاء وإلى ما فيه فيه معرفة بدقائق الحياة مبنًى ومعنًى، حيث الباقيات الصالحات، من المآثر والأفعال التي ترفع الرجال مراتب فوق مراتب بنظر المنصفين من الناس.
إن المال من بعض الوجوه امتحان للأشخاص، وهو من بعض الوجوه محنة لهم..
ومن وجوه أخرى هو وديعة وأمانة بين يدي من يملكونه ليُرى كيف يفعلون، ولتُرى أعمالهم {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (7- 8) سورة الزلزلة..
ومن يُحسن وضع نفسه فوق المال، ووضع المال بإرادته في المواقع التي تنفع الناس، ويوق البخل والشهوة فقد فاز، واقترب من مضمون قوله تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} (9) سورة الحشر الآية.
ومن يكون على غير ذلك فإنما يحمل ما يَسِمُه بصفات لا ترضيه ولا تُرضي عنه في ال دنيا، ويحمل بسببها أعباء ينوء بها كاهله، وتذهب براحته وسعادته، ويأتي يوم القيامة وهو ينوء بأثقال يجرجرها وتجرجره في العذاب.
حيا الله أبا سعود، وبارك له في خلقه وعمله وآله وماله.
أمين عام اتحاد الكتاب العرب
دمشق