تشهد العلاقات الأردنية الكويتية، التي أرسى دعائمها صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الشقيقة، ازدهارًا ملحوظًا على الصعيدين الرسمي والشعبي، وفي جميع أوجه الحياة، لا سيما الثقافية منها، الذي حقق حضورًا متميزًا محليًا وعربيًا، وفي السياق نفسه تأتي الجهود التي يبذلها الشاعر الكويتي عبدالعزيز سعود البابطين، من أجل دفع الحركة الأدبية والفكرية العربية إلى الأمام، وذلك لتمكينها من اللحاق بركب العالمية، من خلال مؤسسته الزاهرة «مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري»، التي عقدت منذ تأسيسها عام 1989 عشرات المؤتمرات المعنية بالشعر والأدب والفكر وحوار الحضارات في عدد كبير من الدول العربية والعالمية، وأصدرت مئات المؤلفات بالإضافة لمعجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين، وكذلك معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وعقدت مئات الدورات في علم العروض ومهارات اللغة العربية وتذوّق الشعر في عدد من المؤسسات الأكاديمية والثقافية في العالم مجّانًا، ومنحت عشرات المبدعين العرب جوائزها المرموقة، وما تُمثّله من دعم مادي ومعنوي للفائزين بها.
لقد واكبت وزارة الثقافة الأردنية في السنوات العشرين الماضية، إنجازات هذا الشاعر التنويري، والتي تصدرتها مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في الكويت، ومركز البابطين للترجمة في بيروت، ومركز البابطين لحوار الحضارات، ومركز البابطين لتحقيق المخطوطات الشعرية في الإسكندرية، ومن هنا فهو يضرب المثل الأعلى لما ينبغي أن يقوم به الأفراد، إلى جانب مؤسسات المجتمع المدني، تجاه الثقافة، وعدم إلقاء مسؤولية دعمها على الجانب الرسمي فحسب، بل إنه تجاوز ذلك، حين جعل مؤسسته «ليست ملكًا خاصًا له، بل أداة موضوعية عامة فاعلة مستقلة، وهو فيها بمنزلة العنصر المؤثر لا المالك المهيمن»، وحين حرص على تنوّع نشاطها «الذي يعتمد الحركة المادية وسيلة لتوصيل الحركة الفكرية والروحية».
لقد كتب العرب الشعر بماء الذهب، وعلّقوه في أكثر الأماكن قداسة، واحتفلت القبائل العربية بشعرائها، وحظي الشعر والشعراء باهتمام الخلفاء والحكام، وفي عصرنا الحاضر، أسبغت القيادة الهاشمية، تقديرها لنخبة الشعراء المحليين والعرب، وكانت سبّاقة في تكريم الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، وذلك حين استقبله جلالة الملك عبدالله الثاني في قصره العامر بتاريخ 6-2-2001، ومنحه وسام الاستقلال من الدرجة الأولى، وكان ذلك حافزًا له لاستمرارية عطائه ودعمه المادي والمعنوي، إلى جانب تخطيطه وتوجيهه وطرحه للأفكار والمشروعات، فلم يكن ينتظر أن يفد المبدعون إليه، بل كان يذهب إليهم بفكره وشعره وماله، مهيئًا لهم كل ظروف الإبداع والعطاء والتكريم، فنحن إذًا، أمام شاعر يُعيد الفضل لغيره، عبر قوله: «عقدان من الزمن مرّا، وها هي البذرة التي غُرست في هذه الأرض الطيبة وقد غدت الآن دوحة شامخة تؤتي أكلها كلّ حين، وتمتد فروعها من الدار البيضاء إلى جزر القمر، ومن حلب إلى عدن، ولم يكن بوسع هذا الحلم أن يتحوّل إلى صرح ثقافي عتيد لولا التفاف آلاف المثقفين العرب بمختلف توجهاتهم وأماكنهم حول هذه المؤسسة ليهبوها أثمن ما لديهم من إبداع وإخلاص».
ويلاحظ المواكب لفعاليات هذه المؤسسة أنها مدّت جسور الثقة والحوار والتعاون مع دول أوروبية وآسيوية منها إسبانيا وفرنسا وإيران على مستوى إقامة الفعاليات، ومدّت أيضًا جسور الحوار في إطار الحوار الثقافي بين العرب والغرب وأبرزت على هذا الصعيد آراء ومواقف النخبة من المثقفين والسياسيين في العالم.
إن دولة الكويت الشقيقة، هي مهد الأفكار التي انبثقت عنها مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وجرى تجسيدها فعلاً فوق الأرض العربية، وكان لعاصمتنا الأردنية الحبيبة عمان، أن تحظى بأن يكون مكتب المؤسسة الإقليمي فيها، ومنه كان يتم التواصل بين الشعراء والمبدعين والمفكرين العرب، وبين المؤسسة في دولة الكويت، كما نسترجع إهداء البابطين الشعراء الهواة، ومحبي الشعر في المملكة الأردنية الهاشمية، عددًا من الدورات المجانية، التي انعقدت في حرم الجامعة الأردنية، في مجالات علم العروض ومهارات اللغة العربية وتذوّق الشعر، ونستذكر تكليف المؤسسة لعدد من النقاد الأكاديميين، والمبدعين الأردنيين بعامة، بتعبئة استمارات تشتمل على السّير الذاتية والقصائد الشعرية، للأحياء والراحلين من شعراء الأردن، ونشر تلك المعلومات والقصائد في المعجمين الصادرين عن المؤسسة، وتكليفهم أيضًا بإعداد دراسات متخصصة بعدد من الشعراء، وبحوار الحضارات، ومن ثم المشاركة بتلك الدراسات في المؤتمرات والدورات التي تعقدها المؤسسة سنويًا، هذا عدا عن حضور و مشاركة نخبة من شعراء الأردن في الملتقيات والمهرجانات الشعرية التي تعقدها المؤسسة، ولا ننسى أيضًا ما قدّمته المؤسسة من دعم مالي، لبرامج عدد من المؤسسات الأكاديمية والهيئات الثقافية الأردنية، لتتمكن من تنفيذ مشاريعها الثقافية، وإهدائها عددًا من المكتبات الأردنية العامة، ومكتبات الجامعات بموسوعات وإصدارات المؤسسة، عدا عن منح عدد من الكتّاب والشعراء الأردنيين جوائز المؤسسة، ودعوة شخصيات أردنية للمشاركة ولحضور دورات المؤسسة، في عدد من العواصم العربية والعالمية، وفي مقدمتهم وزراء الثقافة، وعدد من رؤساء الجامعات الأردنية، والإعلاميين.
وفي الختام، نهنئ دولة الكويت الشقيقة، بهذا الشاعر والمفكر القيادي، متمنين له شخصيّاً، ولمبادراته الريادية، ولمؤسسته الناهضة الزاهرة، دوام النجاح والتوفيق.
وزير الثقافة الأردني سابقًا