ليس سهلاً على من يريد أن يكتب عن شخص تعددت خصاله ومزاياه، وتنوعت اهتماماته وعطاآته، أن يلم بجميع ما حباه الله به في مختلف هذه المجالات، فكيف إذا كان مطلوبًا في حق الأخ الكريم الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين، ليُضم إلى الكتاب التذكاري الذي يُعتزم إصداره عنه.
ولا أخفي أنني منذ نحو ربع قرن وقبل أن ألقاه، كنت مأخوذًا بالأصداء التي كانت تبلغ عنه، باعتباره أحد كبار رجال الأعمال في الكويت، مشهود له بما ينجز في مختلف الميادين التجارية والصناعية، وبما ينهض به من استثمارات في كثير من البلدان العربية والإسلامية والأجنبية، وكذا بما له من أياد بيضاء يُجليها ما يقوم به من أعمال الخير والبر والإحسان.
وكان مما شدني كذلك إلى هذه الأصداء الحميدة، أنه صاحب مؤسسة ثقافية كبرى، جعلت في طليعة أهدافها تحقيق التعارف والتواصل بين المعنيين بالفكر والأدب، وتشجيعهم على الإنتاج والفوز بجوائزه، ولا سيما منهم الشعراء الذين أولاهم عناية، فائقة، تقديرًا لمكانتهم وتشجيعًا لما يبدعون، ورغبة منه في الحفاظ للشعر على موقعه المتميز باعتباره «ديوان العرب».
ثم لم ألبث أن لمست كل ذلك، حين تسنى لنا اللقاء الذي كان يتكرر في المغرب بمناسبة زياراته للمشاركة في بعض الأنشطة الثقافية التي كانت في بعضها تنعقد بدعم منه. وكم كنت أعجب بكريم شيمه وكبير تواضعه، وسماحة فكره، وطيب معشره، ورقة إحساسه، وحسن ذوقه الفني الرفيع. كما كنت أقدر جهوده الصادقة في إصدار «معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين» الذي سعدت مع الأستاذ الدكتور أحمد الطريبق بالمساهمة في إنجاز ما يتصل منه بالمغرب.
وعلى أهمية هذا الإصدار القيم، فإنه لم يقتصر عليه، وأنشأ موازاة له «مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي» أهداها لبلده الكويت، بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة العربية قبل نحو عشر سنوات.
والحق أني لم أستغرب هذه الإنجازات الكبيرة التي يسعى بها الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين إلى النهوض بحركة الشعر العربي، وهو ابن بيئة شاعرة سواء باللغة العربية الفصحى أو باللهجة النبطية التي كان قد برز في قريضها والده وآخرون من أفراد أسرته.
ثم إني بعد هذا لم أستغرب جهوده في رحاب الشعر، وهو الشاعر الموهوب الذي أغنى هذه الرحاب، بما له من إبداع رائع تبرزه دواوينه التي منها «مسافر في القفار» وقبله «بوح البوادي» الذي استمتعت بقراءته معجبًا بتعبيره الرصين الملتزم بلغة رشيقة وإيقاع مُطرب، مع بعض الميل إلى تجاوز نمط القصيدة التقليدية بنفس تجديدي متأثر بشعراء الأندلس، والملتزم كذلك بتصوير الواقع مع جموح خفيف إلى الخيال وما قد يتيح من تأويل.
وما أظن ربط عنوان الديوان ب «البوح» إلا ناتجًا عما ينم عنه هذا البوح من مناجاة باط نية، تكشف تجربة الشاعر وحالته الوجدانية المتأججة بعشقه للبادية، وما يوجه الحياة فيها من قيم نبيلة أساسها مشاعر الحب، وأحاسيس الارتباط بالأرض، والاعتزاز القوي بها، في حنين دائم إليها، دون إخفاء ما يهدد أصالتها وساكنيها بفعل حضارة العصر، وما لها من إكراهات وتحديات لا تخلو من سلبيات.
وعندي أن تفشي هذه السلبيات في البادية، وغيرها من أرجاء الوطن العربي والإسلامي، كان الدافع إن لم أقل أهم دافع حث الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين على النهوض بما يحفظ لهذا الوطن ذاتيته، بدءًا من إبداع الشعر وجمعه وتدوينه إلى العناية بكل ما يصون الهوية بعزة وكرامة، من تراث ثقافي وقيم سلوكية وتطلع إلى آفاق مستقبلية واعدة.
ولعلي بحكم هذا التطلع النابع من برور الأخ الكبير الأستاذ عبدالعزيز بأمته، أن أضع اهتمامه بشؤون المال والأعمال التي بها تستقيم الحياة في كل مجتمع، ويتحقق الرقي والتقدم.
فليهنأ الصديق العزيز بما هيأه الباري عز وجل للقيام به، وما يرافقه في ذلك من سداد مطرد ونجاح كبير، مع الدعاء لإخوته بدوام العون والتوفيق وتمام الصحة والعافية، حتى يحقق ما يصبو إليه في نطاق الرسالة السامية التي آمن بها، ويعمل جاهدًا على أدائها بصدق وإخلاص وتفان وتضحية.
مستشار ملك المغرب