حين ننظر الآن لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، وما قدمته للثقافة خلال مسيرتها في العشرين سنة الماضية، ندرك أن إنشاءها في القاهرة عام 1989م، يعد حدثًا تاريخًا بكل أبعاده ودلالاته الثقافية والحضارية والإنسانية. ولا شك أن تعدد إنجازات هذه المؤسسة وتعدد المجالات والأنشطة التي ترعاها وتقوم بها يؤكد لنا أن حدثًا بهذه الأهمية وبهذه الأهداف والغايات النبيلة هو حدث غير مسبوق في عالمنا العربي.
والفضل كل الفضل يعود لمن كان وراء هذا المشروع الثقافي الكبير الأستاذ الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين الذي حمله حبه للشعركمبدع وكمتذوق وإحساسه كمواطن عربي بدوره في خدمة الثقافة العربية بوجه عام، حمله على تأسيس هذا الكيان الرائع الذي أخذ ينفق عليه بسخاء كبير من جهده ووقته وماله، وبما يملكه من رؤية واعية مستنيرة، وأهداف نذر نفسه لتحقيقها حتى غدت هذه المؤسسة اليوم صرحًا عملاقًا بارزًا من صروح العلم والمعرفة والعطاء في مختلف المجالات الأدبية والإنسانية.
بدأت المؤسسة بالشعر أو هكذا هو المسمى فهي «جائزة الإبداع الشعري» لكنها لم تلبث أن اتسعت الدائرة واتسع البذل لتحقيق أهداف هذا الرجل النبيل وحبه لأعمال الخير فأخذت المؤسسة ترعى مشاريع اجتماعية وثقافية، بعثات ومنحًا دراسية, مدارس وكليات, ومكتبات ومساجد في أنحاء العالم، مكتبة مركزية للشعر وبخدمات متميزة، إضافة للإصدارات الأدبية والمعاجم والتراجم والجوائز الأخرى غير الشعر والأدب.
لقد أصبحت لقاءات المؤسسة الدورية والسنوية محفلاً كبيرًا متعدد الأطياف يجتمع فيه المثقفون من الوطن العربي ومن خارجه في تظاهرة ثقافية كبرى، وفي جوٍ من الألفة والحميمية تشعر به وأنت في ضيافة هذا الرجل الروح والخلق والقريب بتواضعه من الجميع، لفرط اهتمامه واحتفائه شخصيًا بكل واحد من ضيوف الملتقى، تشعر وكأنك ضيفه الوحيد.
كان الأستاذ البابطين ضيفًا على نادي الرياض الأدبي في مؤتمره النقدي الثالث الذي عقد في شهر مارس 2010م، وكان يتحدث إلى جمع من مثقفي المملكة عن المؤسسة وما قامت به من مشاريع وأعمال، ولكنه كان يؤكد كثيرًا على الخطط المستقبلية مما يعكس رغبته في ألا تظل المؤسسة رهينة الإنجازات السابقة، بل تواصل مسيرتها الخيرة في مجالات جديدة أيضًا وكنت ألمح علامات الدهشة على وجوه الحاضرين وهم متابعون حديث راعي المؤسسة إذا لم يكن ليتصور أحد منهم مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري كهذه يمكن أن تقوم بكل ذلك في الوقت الذي تعجز عن القيام بمثله أو أقل منه مؤسسات حكومية بكل إمكانياتها.
كانت دعوة النادي تلك الليلة تحمل بادرة وعرفانا لهذا الرجل الكبير الذي كُرمت مؤسسته عالميًا في شخصه الكريم من قبل رؤساء دول وشخصيات دولية مهمة وهيئات رسمية ومؤسسات ثقافية واحتفى به في منتديات ومناسبات عربية ودولية ونال شهادات دكتوراه فخرية من جامعات عريقة، ولكن هذا الرجل لا يهمه المديح، وهذه الإشادة بقدر ما يهمه الاستفادة من الآراء والمقترحات التي تساعد على تطور هذه المؤسسة نحو الأحسن والأجمل.
إن ما يشغله ويؤرقه حقًا هو الحرص والعزم على أن تستمر أعمال هذه المؤسسة وتزداد مشاريعها عددًا وتنوعًا يومًا بعد يوم، ليتواصل تدفق هذا العطاء الإبداعي والإنساني عامًا بعد آخر وإلى ما شاء الله.
أكاديمي سعودي