في برنامجٍ إذاعيٍّ شعبيٍّ يشبه برنامج أستاذِنا الدكتور بدر كريم (في الطريق)؛ قابله (رضا الفيلي) - أحدُ أقدم مذيعي الكويت - وسأله - وهما في السوق - عما جاء به، فطلب منه أن يسأله عن (ابن زيدون).
كان ذلك قبل أربعة وخمسين عاماً 1978م؛ لنقرأ في الحكاية العابرة ملامحَ غيرَ عابرةٍ لرجل أعمالٍ لم يُلهه الشعيرُ عن الشِّعر؛ فوظّف إمكاناتِه الماديةَ في خدمة القصيدة ومبدعيها وعاشقيها.
يقدم (عبد العزيز سعود البابطين)- منفردًا - ما تنوءُ به مؤسساتٌ ثقافيةٌ حكومية، وخلال سنواتٍ معدودة قدم خدماتٍ ممدودةً للثقافة العربية ليس أهمِّها (ديوانُ الشعر العربي) ومنتدياتُه، ولعل - في طليعتها - جمعَ المثقفين العرب -على اختلاف ولاءاتهم وانتماءاتهم ومذاهبهم - في حوارات (متنيَّة وهامشية) تتيح تلاقي الأفهام دون أن تتطلب توافق الأحكام.
سنختلف مع هذا الرجل حول أشياء وقضايا؛ فله حساباته ولنا مثلُها، وله اقتناعاتُه ولنا غيرها، لكننا لا نملك أمام إسهاماته في جائزة الإبداع الشعري، وجائزة أحفاد البخاري، ومكتبته المركزية للشعر، وبعثاته للدراسات العليا، ومركزه للترجمة، ودوراته في اللغة العربية، ومركزه للتعاون الأكاديمي، أكثرَ من الإعجاب به والدعاء له، والتمني على أثريائنا أن يجدوا في نموذجه وسلطان العويس وجمعة الماجد أمثلةً للاحتذاء.
قدم البابطين خلال ربع قرن هو عمرُ جائزته تأسست 1989 كثيرًا من الدروس؛ في مقدمتها أن للمال وظيفةً ثقافيةً إذا أريد له الانعتاقُ من إسار التشهي كما التشفي، وإذا تجاوز الإبهارَ إلى الإبصار، وإذا خلا من ندوات المجاملة ومبالغات الإعلام.
أبو سعود قادرٌ على تقديم الأكثر، وبخاصة أن ندواتِه لا تكتفي بالشعر ونقدِه بل تمتدُّ للثقافة بأطيافِها ومكوناتها، ولعل أمانة المؤسسة تلتفت - في دعواتها ومناسباتها القادمة - إلى جيلِ الشباب العربي، فمدمنو الحضور من الكهول والشيوخ لا يضيف أكثرُهم سوى بهارج «الترزز» ليُرَوا في الصفوف الأولى التي غادرها عطاؤهم منذ أن تناسوا أن المثقفَ الحقيقي يظل أولا وإن اقتعد الكرسيَّ الأخير.
المال أمانة.
هامش
* المقالة نشرت يوم الاثنين 5 ذو القعدة 1429 العدد 259
03-11-2008
** هذا الملفُّ جهدٌ يسيرٌ كي نقول له شكرًا أستاذَنا أبا سعود