استطاع « صياد الفوارس» لفتَ نظر القراء بمنهجيته وعلميته من جانب وحدة قلمه من جانبٍ آخر، وتساءل الناس عمَّن يكون « هذا المقَنَّع «، لكن وعدًا قاطعًا مع الأستاذ صالح العوض جعل من المتعذر الكشف عن هُويَّته طيلة أكثر من عامين انتظم فيهما نقدًا للعطاءات الواعدة.
تهيبه الشداةُ فتقاصروا عن المشاركات وبالأخص من اعتادوا سماع الثناء على ما يقدمونه، ويذكر - في هذا المجال - أن إحداهنّ لاحقت صاحبكم بنصوص متواليةٍ بغيةَ نشرها، وكان يعتذر عن عدم إمكان ذلك بسبب ضعفها الفني وخللها العروضي في حين تستشهدُ بمن أثنى عليها ورأى فيها ملامح تميزٍ لم يستطعْ تلمسها، وكان صادقًا معها مثلما كان حازمًا في رفض النشر، ويبدو أنها شاءت اختباره ؛ فقدمت له مجموعة نصوص وأدخلت فيها نصًّا جميلا، فاستعرضها معها وأكد رؤيته السابقة في عدم صلاحيتها الواحد بعد الآخر ؛ حتى إذا بلغ النص « المدسوس» ابتسم في داخله وقال لها: هذا ليس لك ؛ اتكاءً على خبرته مع نصوصها السابقة، ويبدو أنها هجرت الشعر بعد ذلك.
كان صياد الفوارس يقرأ النصوص المنتقاةَ بعين الناقد الصارم، والواعون يجدون إضافة في ذلك، مثلما أحجم من هم أقلُّ إمكانات خشيةَ «مشرحته «، وظلَّ صاحبكم يقرأ الرسائل وينتقي ما يراه صالحًا منها، ويجيب بردود هادئة لطيفةٍ على ما لا يرى مناسبته، وخلقت الصفحةُ حضورًا ذا بالٍ هجيراه العناية بالجُدد من الشباب، وتخرج فيها عددٌ من المتميزين والمتميزات، وانتقلت إبداعاتهم لصفحات الجريدة العامة في الثقافة وسواها.
لعل أرشيف الصديق « أبي بدر « يحتفظ برصدٍ ودلالاتٍ وأسماءٍ وإشارات، وربما رأى كشف أبرز ما تضمنته رحلته الثرية مع « العطاءات الواعدة « خلال أكثر من عامين انتهيا بطلبٍ مفاجئٍ من الأستاذ صالح العوض إيقافَ نقده، ولم يعد يذكر المبررات بشكل دقيق ؛ فربما ذكَّرنا بها، ولكنها ذاتُ مساسٍ بارتباطاته العملية في التعليم ورغبته في عدم التنازل عن مستوى الصفحة المتميز التي تستنزف وقته وجهده على حساب قراءاته ووقت مكتبته وأبحاثه، ولم يجد بدًّا من الموافقة والبحث عن بديل، وبقي الأستاذ العوض وفيًّا ل(الجزيرة) ولصاحبه، واستأثرت - وما تزال - بمعظم كتاباته النادرة وشعره شبه الغائب.
كان ملُْ الفراغِ صعبًا، ونشرُ العطاءات دون تعليقات تراجعًا، وبحث عمن يتلقى هذه المهمة باقتدار؛ فجاء حضور الأستاذة» الدكتورة قريبًا « ناهد سعيد باشطح التي رحبت بالفكرة كثيرًا رغم عدم تخصصها، واعتمدت على ثقافتها الشمولية ومتابعاتها الأدبية، وتحول نقد العطاءات من المدرسة المنهجية للمدرسة الانطباعية، وكما « صياد الفوارس « شاءت الأستاذة ناهد أن يبقى اسمها مجهولا مكتفيةً بلقب « الضمير المستتر» الذي ظل أعوامًا طويلةً رفيق الواعدين والواعدات.
لم تكتفِ الأستاذة ناهد بالنقد» البَعْدي» بل اقترحت تحويل رسائل القرّاء إليها لتقوم بالاختيار والتدقيق والتنقيح ومن ثم التعليق المتزامن؛ فوضعنا صندوق بريدها كي تصلها الرسائل مباشرة، ولمن لا يعرف « ناهد « فهي ملتزمةٌ دؤوبةٌ مخلصة لا تمل ولا تكل، وهو ما جعله يسترخي في إعداد صفحة الجمعة قاصرًا جهده على متابعة صف وتصحيح وإخراج الصفحة في موعدها المنتظم الذي بقي سنواتٍ مزدهرةً حتى حان التغيير الذي لا بد منه تبعًا لتطور وتغير مسارات التحرير، وأوكل الأمر- فيما بعد- للزميل تركي الماضي ثم للزميل عبد الحفيظ الشمري الذي طورها لتصبح تحت مسمى « إبداع «.
لم يكن» صياد الفوارس والضمير المستتر» الاسمين المستعارين الوحيدين؛ فقد تزامن معهما ناقدٌ حادٌّ آخر تلقب ب» ابن جنِّي» وتخصص في مشاكسة الكبار عبر الصفحات الثقافية اليومية، وله حكاية قادمة بحول الله.