مع أن الحركة التشكيلية في المملكة قطعت شوطا لا بأس به من إثبات الحضور في الحراك الثقافي بما قدمه التشكيليين من إبداعات تطورت مع تتابع الأنشطة والمناسبات التي تقوم عليها الجهات الرسمية أو القطاع الخاص أو الأفراد من التشكيليين، ومع ما ساهمت به بعض الأقلام عبر مسار متواز مع المسافة الأكبر في مسيرة هذا الفن تشكل منها نهجا ناقدا حقق الكثير من النتائج وقوم العديد من الأخطاء يمكن أن نذكر بعظا من فرسان تلك الأقلام منهم الفنانين والنقاد أحمد فلمبان وأحمد منشي وعبد الرحمن السليمان وعبد الله إدريس ومن الأقلام الصحفية الفنان خير الله زربان في جريدة المدينة والأستاذ أحمد الغنام في جريدة الرياض مع ما سبقهم من أقلام أسهمت في بدايات الحراك النقدي وقامت بجهود كبيرة لا تنسى منهم الأستاذ عبد الرحمن إدريس وعبد الرحمن الشاعر وسمير الدهام ود. عبد الرحينم الميرابي وغيرهم، إلا أن هناك من يرى أن ما قدم عبر هذا التاريخ وتلك المسيرة من خطاب تشكيلي (إعلامي) لم يحقق أو يخدم إلا القليل من حجم عطاء الساحة المتحرك والمتسارع التطوير والبعض يقدر تلك الجهود ويثني على الكثير منها مؤملا في استمرار من تبقى منها من أصحاب الخبرات خصوصا الراصدين للساحة منذ انطلاقتها.
حول هذا الجانب الهام في الساحة استعرض الزميل إدريس العنزي بعض من من الآراء لبعض الفنانين ومن مختلف الأجيال كشف خلالها وجهات نظر التي نجزم أنها مهما اختلفت أو لامست جوانب النقد أو الرأي المباشر فهي في المحصلة مفيدة وتعد آراء تستحق التقدير.
خطوات مقبولة واثقة الخطى
بدأ الزميل إدريس العنزي جولته مع يقول الفنان التشكيلي عبد الناصر بن علي الكرت من الباحة الذي قال نستطيع القول إن الخطاب التشكيلي السعودي قد تقدم في السنوات الأخيرة بصورة مقبولة وخطوات واثقة.. بعد أن مر بمرحلتين الأولى مرحلة البدايات المتواضعة، بما كان يقابله من نظرة مجتمعية غير جيدة!!
فيما كانت المرحلة الثانية هي مرحلة إثبات الوجود بالعمل الإبداعي المقبول. إلى أن تشكلت القاعدة وانطلق التشكيليون يقدمون إبداعاتهم بوعي في ظل الدعم والرعاية والاهتمام والاحتكاك بالآخرين والمثاقفة مع الغير - وإن كانوا يطمحون للمزيد والأفضل - حيث وصلوا بعطاءاتهم المتألقة إلى مستويات رائعة. وأثبت عدد منهم حضورا فاعلا في المشهد التشكيلي الإقليمي، وأصبح الخطاب التشكيلي أكثر انفتاحا على مختلف الفضاءات. فظهرت بعض التجارب الجديدة وفق تقنيات متمكنة وأداء عالي المستوى لما تحويه من مضامين وأفكار تحفز المتلقي للتعايش معها وخلق حوارات جمالية فكرية ثرية. لأن الفنان في العادة يتأثر بما حوله بدرجة إحساس أعلى فيحيل ما بمخيلته إلى تجليات تشد المشاهد لاستنطاقها وقراءة تفاصيلها ومعرفة مكنوناتها. فالخطاب التشكيلي يملك فعلاً تواصلياً مؤثراً بدرجة كبيرة. كون الفن عالما مفتوحا من الدلالات.
ومع أن الخطاب التشكيلي السعودي قد تحسن عما كان عليه رغم وصوله بعد كثير من الدول التي سبقتنا في التجربة ومع ذلك فإن هناك إبداعات متميزة وإن كانت قليلة، إلا أنها تعزز وجوده في الساحة العربية. ونتفاءل بحضوره العالمي إذا ما تنامى الدعم والرعاية والاهتمام. وتزايد الوعي المجتمعي بقيمة الفن كرسالة لها أبلغ التأثير.
وما سالت عنه أخي إدريس عن الخطاب الإعلامي وهل يرضي طموح التشكيليين ؟ فالواقع أن العمل الإعلامي في العادة يأتي لاحقا للعمل الإبداعي وليس سابقا له. ومع ذلك نلاحظ أن هناك قصورا واضحا في هذا الجانب مما يستدعي مشاركة الجهات الإعلامية لإظهار الدور والأهمية.
أما إذا كان المطلوب عن طرح التشكيليين من خلال وسائل الإعلام فهذا في الواقع ليس أساسيا بالدرجة الأولى رغم إيماننا بأهمية المتابعات للمنجز والتغطيات للمعارض والقراءات النقدية الناضجة للأعمال الفنية وتقديمها للمهتمين والمتابعين. لكن الطرح الأهم هو ما يضيفه إزميل النحات وريشة الفنان بألوان الدهشة ولغة الإبداع.
تخطي حركة النمو
أما الفنانة التشكيلية والكاتبة تركية الثبيتي ذكرت ما يلي مما لا شك فيه أن الخطاب التشكيلي السعودي لم يرتق بعد إلى ما بعد الحداثة والتي انتشرت في نهاية الخمسينيات في كل من أوروبا وأمريكا حيث اقتصرت مهمته لدينا على توثيق الثقافة البصرية ورصد تطور الحركة التشكيلية السعودية وليس من السهل أبداً ونحن نعيش وسط هذا العالم المتغير أن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء رصد وتوثيق حركة النماء إذ يتوجّب على الفنانين من الكتّاب سرعة تخطي حركة النمو لما يتوافق مع معطيات العصر الحالي ولن يكون ذلك إلا من خلال الاحتكاك بالآخر والتثاقف بين الحضارات العربية والغربية، والاستفادة مما تفرزه وضرورة تفعيل هذه الثقافة بما يتواءم مع الفكر العربي. نحن الآن بصدد المفاهيمية وكيفية تطوير التشكيل العربي بما يتفق معها وتجاوز الحدود الضيقة للظروف التي فرضتها طبيعة المجتمع والبلاد أعتقد أن الفترة المقبلة ستكون نقلة كبيرة في الثقافة التشكيلية خصوصاً أن كثير من الفنانين بدأ يدرك وبشكل حقيقي رتم العصر وحاجة الفكر التشكيلي للقفز وتخطي أسوار النمو إلى النضج.
وذكر لنا الأستاذ سليمان الهويرني وهو كاتب متخصص في الجانب التشكيلي ما يلي:
رغم تنامي حركة الفنون التشكيلية في المملكة في السنوات الخمس الماضية؛ وكثرة المعارض المشتركة والشخصية لفنانين من مختلف الأجيال إلا أن المشهد التشكيلي المحلي الرصين للأسف لم يحض بأية قراءة نقدية جادة، وأعزو ذلك - ربما - بسبب غياب النقاد المختصين بفحص هذه الفنون وتقييم اشتغالات ونتاجات منجزيها من الرسامين والنحاتين والخطاطين، مما دفع إلى أخذ زمام المبادرة من قبل مثقفين وأدباء وكتاب غير مختصين، من خلال إقامة أمسيات ثقافية فنية مشوهة وغير متخصصة، خصصت لقراءة الخطاب التشكيلي لزمرة منتقاة بعناية شللية أملتها الظروف المناطقية أو مآدب نهايات الأسبوع العامرة بما لذ وطاب وأحياناً بما طاب فقط!.. الافتقار إلى الكاتب التشكيلي المتخصص ويفضل أن يكون بعيداً عن التشكيل أي أن لا يكون تشكيلياً بالضرورة؟ نعم.. كما أن الفنانين يشطحون بعيداً وبطرق مثالية عند أخذ مايكرفون الاعلام؛ القلة من فنانينا الأفاضل يجهل لغة الإعلام وأدوات الإعلام ولا أذيع سراً لو قلت «لعبة الإعلام» بدلاً عن كل ماسبق.. هذا ما لدي باختصار أتمنى أن يكون فيه النفع العام..؟
تعريف للأنشطة
حيث ذكر لنا الفنان التشكيلي معجب الحواس بهذا الخصوص في رأيي حول الخطاب التشكيلي السعودي ومدى ارتقائه لطموح الفنان أجد أن هناك فجوة كبيرة بين الاثنين، فالخطاب التشكيلي السعودي لا يتعدى كونه تعريفا بالأنشطة المقامة من معارض فنيه جماعية أو شخصية، أي أنه لا يوجد فرق بينه وبين التغطية الإعلاميه أو الإخباريه لهذا الحدث.
وهذا الشيء لا يخدم الفنان بالقدر الكافي للتطوير من ذاته ومن قدراته الفنية، فالفنان يفتقد للقراءة النقدية الفلسفية لأعماله من قبل متخصصين وهذا ما نفتقده، بالإضافة لافتقادنا للخطاب التشكيلي الذي يحمل الفكر الحداثي المتلائم مع مجتمعنا بعيداً عن الشخصنة. ربما يرجع السبب في ضعف الخطاب التشكيلي لعدم وجود التخصص الأكاديمي الدقيق لدينا وعدم وجود متحف خاص بالفنون البصرية ليساهم في عملية ربط الاجيال مع بعضها.
حيث ذكر التشكيلي والإعلامي يوسف الحربي أن الخطاب التشكيلي، لدينا جاء أقل من طموح الفنانين الشباب، وذلك لأسباب عدة منها أن الكتاب التشكيليين، قلة جدا، بالإضافة إلى أنهم لم يطوروا أدواتهم الفكرية لمواكبة التسارع الحاصل بالعالم، وأحد الأسباب أن هؤلاء الكتاب من جيل وأغلب التشكيلين من الشباب ولم يتفهموا أفكارهم وطمحاتهم، مما جعل الكثير من الفنانين الشباب المشاركة الاتجاه إلى نقاد عالميين عبر إرسال أعمالهم الفنية أو عبر المشاركة في معارض دولية، وعند اطلاعي وتجربتي بالحوارات الصحفية مع التشكيليين أجدهم بتصريحاتهم لا يحملون تلك الثقافة التي تنم عن دراية بما يدور من حولة بالحركة التشكيلية العربية والعالمية وبالتالي يكون الخطاب التشكيلي أقل من الطموح لدى التشكيلي الشاب.
.. هذه النماذج المختارة من أقلام وآراء لا تعني عموم الساحة ولهذا فالمساحة مفتوحة لطرح آراء أخرى قد تحمل تنوعا جديدا بين راض أو عكسه فليس هناك أجمل من لغة الحوار....