ثمة فرقعات حدثت مؤخراً على الساحة الثقافية والمشهد الإعلامي، هي ما كانت حول كتب الإعلامي والكاتب تركي الدخيل كونها جديدة وحديثة، وهذا ليس سبباً لتلك الضجة والفرقعة بل كونها فارغة المحتوى وأنها كما وصفها البعض بأنها كتب مضللة وطريقة نصب لجلب المال والاستخفاف بعقول الناس، فهي جاذبة بعناوينها المغرية والمثيرة // (1) كيف تربح المال بأقل مجهود (2) دليل الرجل إلى فهم المرأة (3) دليل المرأة إلى فهم الرجل (4) كيف يفكر القذافي // وكلٌ قد أدلى بدلوه تجاهها ونحوها.. وهنالك وصف أجده جميلاً لها كما وصفتها الصحف القطرية: بالكتب البيضاء وكذلك بعض الكتاب المرموقين في صحفنا السعودية، وإن كان من باب الهجوم.. كونها صفحات خالية كأرض صحراء.. سألني صديقٌ لي: هل قرأت كتب تركي الدخيل الجديدة؟ وكانت إجابتي له: كيف أقرأ كتب فارغة وصفحات بيضاء ليس بها أي كلمة بل ليس بها أي حرف، والأجدر أن يكون سؤالك هل رأيت كتب تركي الدخيل الجديدة؟ وفي السؤالين إجابتي: لا. ولكنني تابعت الضجة الإعلامية حولها سواء عبر الصحف أو الشبكة العنكبوتية.. أنا هنا لم أظهر رأيي تجاهها بل أشرت ونقلت رأي من وصفوها ونعتوها. وصفت هذه الكتب بالكتب البيضاء؛ واللون الأبيض لون الصفاء والنقاء، وهو من الألوان الباردة حسب تصنيف علماء الألوان، حيث هنالك ألوان حارة وأخرى باردة، واللون الأبيض من الألوان الباردة.. وكونها وصفت باللون الأبيض فإنها كتب باردة، وبالتالي لا تشكل إي إثارة ولا بد أن تكون كذلك، فهي فارغة، بل هي ورق بيضاء دون شيء، فكيف يكون لها أي إثارة أو تأثير؟ فإلاثارة والزوبعة حولها تكمن في فكرتها وإن لم تكن جديدة، حيث أشهر الكتب في هذا المجال كتاب «الأمور التي تشغل تفكير كل رجل» للبروفيسور شريدان سيموف والذي حقق مبيعات ضخمة وكبيرة جداً.. وحسب تصريح تركي الدخيل نفسه في مسرح تبريره لمن هاجموه بسببها، حيث قوله: (إن إدارة دار مدارك –المسوقة للكتب البيضاء- تلزم المتسوقين في المعرض بفتح الكتب وتصفحها قبل الشراء، ومن تعجبه الفكرة بإمكانه أن يشتري ومن لا تعجبه ربما سيكتفي بالضحك)، وأضاف: «إن فكرة الكتب البيضاء ليست وليدة وهي تجارب معروفة في الغرب ومن فكرنا في وضع مجموعة أسماء لمؤلفين وفي نهاية الأمر أخذت على عاتقي وضع اسمي وتحمل تداعيات هذه المغامرة، وأنا مؤمن أنها بعيدة كل البعد عن الغش والدجل». وقال أيضاً: «هذا الكتاب يستخدم كإهداء أو لكتابة مذكرات دون الالتزام بما جاء في عنوانه»، مؤكداً أن هامش الربح في هذه الكتب لا يتعدى 10 % من كلفة الورق والطباعة. ومن هنا فهي لا تثمل أي إضافة.. ولا ندري لم أقدم الدخيل على طبعها ونشرها؟! نعود للوصف لها بأنها كتب بيضاء.. استهواني هذا الوصف وجعلني أبحث وأتساءل هل هنالك كتب سبق وأن وصفت أو سميت بالكتب البيضاء؟ لم تخدمني مكتبتي الخاصة ولا المكتبة العامة بالهفوف -والتي دوماً أتردد عليها وأزورها، وأجد عناية خاصة من مديرها الأستاذ الجميل والرائع علي البويت (أبو عمر)- في الإجابة على سؤالي في هذا الشأن.. ولكن لم يكن لدي مفر من السيد جوجل الذي اختصر لي عناء ومشقة البحث، حيث أرشدني إلى أن هنالك كتباً سُميت بالكتب البيضاء منذ زمن طويل أي منذ عام 1922م، وهي الكتب البريطانية إلى ممثليها في البلاد العربية، التي تؤكد وعد (بلفور) الذي يقضي كما هو معروف إلى إقامة دولة لليهود في أرض فلسطين.. هذه الخطابات والبيانات الرسمية أُطلق عليها الكتب البيضاء، وقد كان عددها في تلك الفترة وهي ما تسمى فترة الانتداب البريطاني في المنطقة ثلاثة بيانات سياسية سُمي كل منها بالكتاب الأبيض، لكونها مطبوعة على أوراق بيضاء بخلاف الوثائق الرسمية البريطانية الأخرى التي تطبع على أوراق زرقاء، وكل هذه الكتب البريطانية والمعروفة بالكتب البيضاء تتضمن تهيئة الظروف السياسية والإدارية والاقتصادية في المنطقة لضمان وطن قومي يهودي في أرض فلسطين وذلك تنفيذاً لوعد بلفور.
لم يكن هذا العرض وهذه الإطالة للكتب البريطانية إلا من أجل الوصول لوصف كتب الدخيل، رغم أنها بعيدة عن تلك الأغراض البريطانية، ولكن ما جعلنا نذكرها هو (اللون الأبيض) لا غير فالبريطانيون سموها بالبيضاء كون إقامة وطن لشعب مشرد ولقيط يعتبر إنجازاً عظيماً، واللون الأبيض من فلسفاته أنه يعبر عن الفرح والسرور والارتياح وتحقيق الأمنيات، خاصة لشعب ضال وحقير.. أما كتب الدخيل فقد جاءت التسمية لها بالبيضاء لأنها فارغة من أي شيء، فهي صفحات بيضاء؛ والبياض هنا في كتب الدخيل الأربعة يعني عدم وجود محتوى وعدم وجود مضمون لا أكثر. وفي كل الأحوال تبقى تجربة تركي الدخيل مثيرة للجدل وربما كان الهدف من هذه الضجة، التي أظنها متوقعة من قبل الدخيل نفسه والدار الناشرة، ولكن يبقى العامل المشترك بين الكتب البريطانية في الأعوام الثلاثة الميلادية 1922 و1930 و1939م وكتب الدخيل في (اللون الأبيض) فقط، وليس في المحتوى والمضمون، كون الكتب البريطانية تحمل أفكاراً غيرت مجرى الحياة السياسية في المنطقة حتى اليوم، وأنها تتضمن قيمة عالية وكبرى لهم، بعكس كتب الدخيل التي لم تعط إلا السخط والسخرية، والاتهام له باستغلال اسمه (الإعلامي) لجلب المال وأنها بداية إفلاسه.. بسبب إفلاسها من المحتوى والمضمون.
والبريطانيون أنفسهم هم من سموها بالكتب البيضاء، ولكن الدخيل لم يسمها هو، بل جاء النعت لها من آخرين لأسباب كلها تتضمن سبباً واحداً هو عدم وجود محتوى في صفحاتها؛ أي أنها خالية وفارغة من الحروف والكلمات، وشتان بين الكتب البيضاء البريطانية وما عملته من تأثير في المنطقة -وإن كانت سلبية لنا وعلينا ولكن إيجابية لهم- وكتب الدخيل الفارغة!!
الإحساء
Albatran151@hotmail.com