عرفت الأستاذ الزيدان كاتباً صحفياً قبل أن أراه للمرة الأولى في جدة في تاريخ لا أستطيع تحديده بالضبط، لكنه إما سنة 1402هـ/ 1982م، أو ما بعدها بقليل. والزيدان شخصية أبوية، يشدك إليه منذ اللقاء الأول بتواضعه ومرحه ومداخلاته وتعليقاته اللطيفة، وهو ليس بشاعر، وليس بأديب مبدع، ولم يتخصص في علم من العلوم.. وإنما كان من العصاميين الذين درسوا دراسة تقليدية.. ومن الذين أحاطوا بمعارف شتى، وجمعوا ثقافة عريضة.. وهو ذو قلم صحفي سلس، وساعده على ذلك اشتغاله الطويل في الصحافة وكتابته الإذاعة والتلفزيون وعلاقاته مع المسؤولين فهو من بقايا الموسوعيين (المنقرضين) كما أشرت إلى ذلك في إحدى المناسبات الثقافية.
لم أزره قط في بيته بجدة، ولم يحدث أن دعاني لزيارته، ولكنني كنت أراه وأجتمع به في أماكن محدودة، لكنها منتقاة، كالنادي الأدبي أو صالون السيد محمد سعيد طيب (الثلوثية) أو في صالون السيد عبد المقصود خوجة (الإثنينية)، فكان المتحدث الأول والمتجلى دائماً؛ فقد وهبه الله سرعة الخاطرة والبديهية والقدرة على الارتجال والاشتقاق اللغوي.
وكان معي لطيفاً وبي حفياً، ويمازحني باستمرار، ويرفع عصاه التي يتوكأ عليها في وجهي أحياناً زيادة في التبسط والمحبة، ويعجب بتعليقاتي الساخرة وخطي القومي العربي؛ فقد كان - يرحمه الله - عروبي النزعة؛ فأصله البعيد من مصر، وتربيته في المدينة، وهواه نجدي؛ فجدته أو أمه كما يقول (بدوية). ألّف أكثر من عشرة كتب متنوعة كتبت عن أحدها في كتابي (كاتب وكتاب). وقد كتب الزيدان مئات المقالات الصحفية، وألقى عشرات المحاضرات الأدبية والتاريخية - رحمه الله وأثابه -.
ومات مأسوفاً عليه وهو مسن قبل سنوات، وقد فقد معظم بصره، لكنه لم يفقد أياً من بصيرته، وكان يقول لنا ضاحكاً: إنني أعشى البصر! ودفن في جدة، وترك ذكرى عطرة في نفوس من عرفوه وأحبوه.
جدة