بطاقةٍ إبداعية عجيبة يتناول الأستاذ الأديب محمد جبر الحربي موضوعات قد لا تظن أنها تُستنطق فإذا هي تسيل بقلمه ينابيع دافقة بألوان الثقافة والمعرفة والأشعار التي يحسن تخيرها بحس شاعر رقيق تجد الكلمات حياتها بين أسطر كتابته، وهكذا قرأت ما كتبه عن اللام بأجمل كلام في يوم الخميس 11من صفر 1433? قرأت ما كتبه عنها بمناسبة اليوم العالمي للغة العربية، (اللام:النهل والعلل)، فنهلت من كتابته وعللت، وراح ذهني إلى قصيدتين من مشهور قصيد العرب أما إحداهما فلامية العرب للشنفرى:
أقيموا بني أمّي صدور مطيّكم
فإنّي إلى قوم سواكم لأميل
كأنما العربية لا الشنفرى من يقول ذلك، وهذه قصيدة أدهشت العرب والعلماء حتى كتبت عنها الشروح والأعاريب فتناولها من القدماء غير واحد منهم المبرد والزمخشري والسهيلي والعُكبُري، وتناولها من المحدثين غير واحد منهم أخونا الدكتور سعود الرحيلي كتب عنها بحثًا تحليليًّا رائعًا، وأما القصيدة الأخرى فهي لاميّة العجم للطغرائي:
أصالةُ الرَّأيِ صانَتني عنِ الخَطَلِ
وحِليةُ الفَضلِ زانَتني عنِ العَطَلِ
وقد شرحها الصفدي بسفر طبع في مجلدين كبيرين. ثمّ عدت إلى ما ألِفته من ذكر اللام في كتب النحو والصرف، فإذا هي صوت يخرج في وسط الفم لا يعوقه التقاء أعضاء النطق؛ لأن الهواء ينحرف عن هذا العائق وينساب انسياب الماء ليجد طريقه إلى الهواء سَرَبًا، وهي تلج إلى ألفاظ نكرات فتحيلها معارف تفصح عنها الأخبار وتصفها الأحوال، وإنها لعذوبة جرسها تذوب في ما جاورها من الأصوات فتدغم فيها كما تجدها في (الشمس) ولكنها تتمنع عن البعيد الغريب فتظل ظاهرة كما في (القمر)، وأنت ترى اللام تتوسط بين الاسمين لتكشف اختصاص أحدهما بالآخر (الجنة للمؤمنين) أو ملكية أحدهما للآخر(الكتاب لزيدٍ)، أو تبعيته له (الظرف للكتابِ)، وباللام تعلل الأفعال (تجهز المسلم ليحجَّ)، وبها تأمر (ليدخل صاحبُك)، وبها تؤكد داخلة على المبتدأ (لزيدٌ منطلق) أو مزحلقة إلى الخبر (إنّك لعلى خلق عظيم)، وبها تجحد (ما كان أخو يوسف ليسرقَ)، وإنها لتميز (إن) المؤكدة من النافية، فأنت تؤكد بقولك (إن زيد لقادمٌ)، ولكنك تنفي بقولك (إن زيد قادم)، وتعبر باللام عن العاقبة (تجاوز السفيه إشارة المرور ليصدم سيارة أخرى)، وكان العرب يستعملونها في الاستغاثة (يا لَزيدٍ لعمرٍو)، ويتعجبوب (يا لجمالِ الأزهار)، وترد موطئة للقسم كما ترد جوابًا له (لئن نجح ليفرحَن)، وهي دالة على اتجاه الحدث (سافرت لمكة). وللام دلالات مختلفة تعرّفها النحويون من النصوص الواردة فيها، ولكنها ترتد عند التأمل إلى معنى الاختصاص الذي هو معنى اللام في الأصل.
الرياض