كان القسم الثقافي فتيًّا ضاجًا بأحلام الشباب وحماستهم، وظل متكئًا عليهم؛ من كان محررًا أو كاتبًا أو مراسلًا، وما يزال حتى يومه معنيًّا بهذه الفئة العمريةِ.
انضمَّ أول محرر لنا وكان طالبًا في نهاية المرحلة الثانوية، وما يزالُ رقمًا مهمًّا في التحرير الثقافي داخل « الجزيرة « الذي لم يستغنِ عن أيٍّ ممن شهدوا بداياته المتعثرة، وصبروا على ما نالهم من أذىً معنويٍّ كبير بسبب الحملةِ المركزةِ التي خلطت أوراق الجريدة بكل ما ومن فيها، واستفاد منافسون من تهميشهم زمنًا صادًّا، ثم أسفر الصبحُ لذي عينين؛ فتبدل الحال.
كان (محمد بن إبراهيم الدبيسي) - وهو الضابط الكبير حاليًّا والدكتور قريبًا- أولَّ زميلٍ يلتحق بالتحرير الثقافي من خارج الرياض، ويذكر أنه قابل صاحبَكم في مكتبه وزاره في سكنه الخاص إذ ذاك « بعقارية العليَّا»، ومدار حديثيهما شؤونٌ ثقافيةٌ يندرُ من يعتني بها، ومن مزايا « أبي يزيد « - رعاه الله - علاقاته الودودة ووعيه اليقينيّ ووفاؤه النادر ومعارفه المتسعة؛ ما جعل صاحبكم يكلفه بتحرير صفحة ثقافيةٍ أسبوعيةٍ من مكتب «المدينة المنورة» دامت ثلاثَ سنوات؛ ثم تُوجت بصدور الملحق الثقافي الأسبوعيِّ الإثنيني السابق لملحقي الأحد والخميس رباعيَّيْ الصفحات.
ثانيهم هو (تركي بن إبراهيم الماضي)، وكان فتًى صغيرًا في المرحلة الثانوية، واثقًا من نفسه، مؤمنًا بإمكاناته، وبقي معطاءً طيِّبَ السريرةِ، ورغم أنه من الموظفين النابهين في وزارة الخارجية بما تتطلبه أعمالها من ارتحالٍ ومناسبات فقد استطاع التوفيق بين وقت العمل الرسمي والصحفي، وصار اليوم عونًا لمدير التحرير في الإشراف على الصفحات اليومية والملفات الثقافية المتخصصة.
توالى الزملاء في فتراتٍ لاحقة متأخرةٍ نسبيًّا، وسيأتي الحديث عنهم في حينه، غير أن كاتبًا بارزًا انضم للصفحات الثقافيةِ مبكرًا بحكم صداقته الاستثنائية مع صاحبكم، وهو إذاعيٌّ ومثقفٌ ممتلئٌ، واستقطبه للكتابة بدءًا، ثم أشرف - بتوصيةٍ خاصةٍ من صاحبكم لرئيس التحرير- على قسم التحقيقات، غير أن الريحَ كانت تحته كما « قَلِقِ» المتنبي؛ فلم يكن يصبر على طعامٍ واحد، وبدا راغبًا في تجربةِ نفسه في كلِّ ميدانٍ يستطيعُه؛ فلم يوفر فرصةً تليق به إلا حاول اختبار إمكاناته، وكان أولَ مذيعٍ سعوديٍّ يظهر في قناة» الجزيرة « القطرية؛ وبدا بوسامته وإبداعه ندًّا لكبار مذيعيها؛ غير أن عدم الرضا عن توجهات القناة حينها لم تُطلْ مكثه فيها؛ فغادرها بعد أسبوعين فقط من ظهوره على الهواء.
لم يكتفِ (خالد بن عبد الله البنيان) بالإعلام الرسمي والخارجيّ بل أسس مجلة «تأمين» ضمن مؤسسة إعلاميةٍ أنشأها - مع أصدقاء له - وأصدر منها بضعة أعداد، كما تبنى تسجيلات فنيةً وأعمالًا إعلاميةً، وافتتح فرعين في دبي وبيروت، وغاب عن المشهد الإذاعي والصحفيّ؛ فكذا هو وكذا رحل.
كنا نلتقي كثيرًا في بيتينا مع رموز الثقافة، وبدا « خالد» - كما يندر أن يبدوَ الشبابُ - قارئًا مستقرئًا مجادلًا بجمال , وذا أسلوب جميل وتكوينٍ معرفيٍّ، وتبقى صداقته بصاحبكم نقطةً فاصلةً في حياتيهما بالرغم من عدم اتفاقهما في مسائل كثيرة؛ وهو ما عني تكاملاً وخلق انسجامًا وودًّا قل مثيله.
رحل خالد (1960-2000م) في حادث سير مفاجئٍ قريبًا من مكتبه على طريق مكة قرب مدينة الملك فهد الطبية، وخسر صاحب الكرسيِّ صديقَ عمر، كما خسر الوسط الثقافي والإعلاميُّ نجمًا أفل مبكرًا؛ رحمه الله
وفي الخطو التالي حكاية جديدة.
Ibrturkia@gmail.com
:@abohtoon