Culture Magazine Thursday  10/05/2012 G Issue 373
قراءات
الخميس 19 ,جمادى الآخر 1433   العدد  373
 
ترجمة وتعريب العلوم.. أين نحن منه؟
أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

 

يطالب الكثير من أساتذة وطلبة كلياتنا العلمية في جامعاتنا العربية بضرورة تدريس المواد العلمية باللغة العربية نظرًا لكونها لغتهم الأم التي يسهل بواسطتها إيصال المعلومات وتلقينها وتلقيها واستيعابها. ولا يزال التعليم في كلياتنا العلمية مثل الطب والهندسة وتقنية المعلومات ينهج حتى الآن نحو اللغات الأجنبية التي هي لغاته الأصلية.

ولعل من المنطق أن أقصر بل وأفضل طريقة لتوصيل المعلومات إلى الطالب العربي هي استخدام اللغة العربية، لذا لو قامت حركة جادة لترجمة العلوم وتعريبها لتمكنت اللغة العربية من أخذ مكانتها اللائقة بين اللغات العالمية الحية في مجالات العلوم والتقنيات الحديثة بجانب مكانتها السامية التي أحرزتها وتبوأتها عبر تاريخها الطويل في مجالات العلوم الدينية والشرعية، ناهيك عمّا وصلت إليه في ميادين الشعر والأدب والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفلك والطب والكيمياء والصيدلة.

الترجمة والتعريب لفظان متلازمان، فالمترجم إلى العربية لا بد له أن يصادف ما يصعب عليه ترجمته في المصطلحات العلمية والمسميات الأجنبية.

ففي مجال الكيمياء مثلاً وقف المترجمون حيارى أمام أسماء معظم العناصر الكيميائية ولم يكن أمامهم بد من تعريبها، فدخلت إلى العربية كلمات مثل: الكوبالت والمغنيسيوم والأكسجين والهيدروجين ومئات غيرها. وفي ميادين الطب والصيدلة ظهرت لنا كلمات معربة مثل: الأسبرين والبنسلين والهيموجلوبين، وحدث نفس الشيء في ميادين الرياضيات والفيزياء والحاسوب وغيرها من العلوم البحتة نتيجة للغزو الهائل من الصناعات والاختراعات والابتكارات التي تنهال علينا وتترى حولنا من كل حدب وصوب.

إن اللغة العربية لغة مرنة وطيعة تقبل الألفاظ الأجنبية والمصطلحات التقنية وذلك لسهولة النحت فيها والتصريف والاشتقاق والقياس، ومع ذلك فلا يتم القيام بعملية التعريب إلا عند الحاجة والضرورة. لذا يستحسن عند تعريب الألفاظ والمصطلحات الأجنبية أن يراعى ما يلي:

1- يفضل التغيير في شكل المصطلح حتى يصبح موافقًا للصيغة العربية ومضاهيًا لها، فمثلاً عندما ترجمت كلمة: تلفزيون إلى العربية وأصبحت (الرائي) لم تجد هذه الكلمة العربية قبولاً مستساغًا فكان لا بد من تعريب الكلمة الأجنبية مع بعض التغيير الذي يضاهي العربية فأصبح لدينا كلمة: تلفاز (وإن كانت غير مستخدمة على نطاق واسع). كما نجحنا في تعريب كلمة: تلفون لتصبح: الهاتف (وإن كانت الأولى لا تزال مستخدمة كلفظها الأصلي) وكذلك: كمبيوتر إلى حاسوب أو حاسب آلي وكذلك راديو إلى مذياع. وعند تعريب المصطلح العلمي يمكن كتابته باللغة العربية بصيغة أو بناء يوافقه مع المحافظة على معناه ولفظه قدر المستطاع، فمثلاً كلمة: تلفزيون عربت تلفاز، وكلمة: فيزيكس عربت فيزياء، وكذلك تكنولوجيا أصبحت: تقنية وماستر صارت ماجستير وكوليج: كلية، وبتروليوم: بترول، وهكذا.

2- يجب اعتبار المصطلح المعرب عربيًا بحيث يخضع لقواعد اللغة ويجوز فيه الاشتقاق والنحت وتستخدم فيه أدوات البدء والإلحاق مع مواءمته للصيغة العربية، وهنا بعض الأمثلة:

دكتور: يمكن جمعها جمع تكسير فتصبح: دكاترة.

بروتون: يمكن جمعها جمع مؤنث سالم فتصبح: بروتونات.

أكسيد: يمكن اشتقاق فعل منها فتصبح: يتأكسد.

إلكترون: يمكن إلحاقها بأل التعريف فتصبح: الإلكترون.

3- يحب تصويب الكلمات العربية التي حرفتها اللغات الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح، فمثلاً كلمة: syrup أصلها العربي: شراب، وكلمة: alcohol أصلها العربي: الكحول، وكلمة: gas أصلها العربي: غاز، وكلمة: arsenic أصلها العربي: الزرنيخ.

4- ثمة كلمات أجنبية دخيلة (وما أكثرها) اخترقت لغتنا العربية دونما استئذان فاستباحت ساحتها وفرضت نفسها عليها واحتلت مكانًا بين مفرداتها، ويُعدُّ هذا أحد عيوبنا في السماح لها والترحيب بها ومن ثم استخدامها دونما وعي أن في العربية معاني ومترادفات تغني عنها، فخذ على سبيل المثال: ماراثون: سباق، كود: نظام، لوبي: تأثير، كلاسيكي: تقليدي، رومانسي: عاطفي، دراما: مشكلات نفسية وعاطفية، كوميديا: مرح، تراجيديا: مأساة، كنترول: تحكم، تكنولوجيا: تقنية، وأخرى لا بد من إيجاد معنى أو مرادفًا لها مثل: مول وجاليريا وبلازا إلخ.

ولعل من قبيل التقدير والاعتراف بالفضل والامتنان أن نذكر بعضًا من الجهات على سبيل المثال لا الحصر التي كان لها دور في مجالات الترجمة والتعريب وتوحيد المصطلحات، وهي:

1- الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة: هذه الهيئة الحكومية المعنية بالتقييس دأبت منذ إنشائها عام 1392 هـ على ترجمة الكثير من المواصفات القياسية الصادرة من الهيئة الدولية الكهرتقنية (IEC) لشتّى أنواع السلع الغذائية والمنتجات الآلية وتم مراجعته اوتدقيقها من قبل لجانها الفنية المتخصصة. وحرصًا من الهيئة على إنجاح عملية ترجمة المواصفات القياسية فقد سعت إلى إلحاق كل مواصفة بقائمة من المصطلحات الفنية، وكان لها تعاون وتنسيق في هذا المجال مع دول مجلس التعاون الخليجي ومع الدول العربية الأخرى في مجال تعريب المصطلحات الفنية وتوحيدها، ولم يقتصر دور الهيئة عند هذا الحد بل تم التعاون مع الشعبة القومية المصرية في إيصال تلك المصطلحات المعربة إلى موقع الإلكتروبيديا (Electropedia) الخاص بالمصطلحات التقنية العالمية (IEV) التابع للهيئة الدولية الكهرتقنية لتصبح ضمن المصطلحات الأخرى لعشر دول أوروبية.

2- مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية: قامت المدينة عام 1403 هـ بإنشاء قاعدة معلومات خاصة بتعريب المصطلحات العلمية بمسمى: «البنك الآلي السعودي للمصطلحات (باسم)» بأربع لغات لإثراء اللغة العربية وخدمة العلماء والباحثين والدارسين، وهذه القاعدة المعلوماتية تقوم على أساس موسوعي متكامل أتى نتاجًا لتعاون واسع ومكثف في مجال تعريب المصطلحات العلمية والفنية والتقنية مع العديد من المصادر والهيئات العلمية وبنوك المعلومات ومجامع اللغة العربية والجامعات العالمية إلى جانب الاستفادة من الجهود المبذولة والخبرات المكتسبة في الدول العربية في هذا المجال.

3- أقسام ومراكز للترجمة: أنشئ في أغلب جامعاتنا السعودية أقسام متخصصة في اللغات والترجمة ومراكز للترجمة، ولعلها تسهم في حل المعضلات وإزالة العقبات التي تقف في جه طلاب الدراسات العليا في الكليات العلمية التي يرونها عائقًا دون كتابة رسائلهم (للماجسيتر والدكتوراه) باللغة العربية لغياب ترجمات معتمدة وموثوق بها للمفاهيم التقنية والمصطلحات العلمية.

4- مكتب تنسيق التعريب: ومقره في مدينة الرباط بالمغرب وهو تابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وله نشاط مشهود في إصدار المعاجم اللغوية وتعريب المصطلحات التقنية معينًا في هذه الجهود في إنهاء فوضى وتشتت المصطلحات والمترادفات في الدول العربية وساعيًا نحو تقريبها وتجانسها.

5- الاتحاد العربي لمنتجي وناقلي وموزعي الكهرباء: قام هذا الاتحاد (مقره في الأردن) بإيعاز من مجلس الوزراء العرب المعنيين بشؤون الكهرباء في دورته الخامسة المنعقدة بالقاهرة بتاريخ 23-24-4-2003 بترجمة ما يربو عن 14000 من المصطلحات العلمية في المجالات الكهربائية (الاتصالات والقوى والإلكترونيات والتحكم)، وقد تم إنجاز هذا المجهود الكبير بمشاركة كل المتخصصين في الدول العربية مما ساعد في تقريب المفاهيم وتوحيد المصطلحات على اختلافها وتباينها في بعض تلك الدول وبخاصة دول المغرب العربي التي رزحت ردحًا طويلاً من الزمن تحت نير الاستعمار الفرنسي الذي عرف بفرض لغته وثقافته.

وأخيرًا أن تعريب العلوم ليس هدفًا مستحيلاً أو مستعصيًا أو بعيد المنال بل أضحى مطلبًا وطنيًا وضرورة حتمية أملته ظروف عصر تتفتق فيه الإبداعات والابتكارات بشكل متلاحق وتحتدم فيه التغيرات التقنية والمعلوماتية على نحو مذهل، ولا يجمل بنا نحن أبناء هذه البلاد التي شرفها الله بخدمة البيتين العتيقين أن نقف مكتوفي الأيدي أو كمتفرجين وكأن الأمر لا يعنينا، كيف لا ولغتنا العربية لغة ثرية في مفرداتها غنية في اشتقاقاتها جزلة في مدلولاتها ومعانيها شرفها الله عزّ وجلّ بأن جعلها لغة كتابه الكريم الذي أنزله على أشرف الخلق أجمعين، إذ يقول عز من قائل: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عربيًا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}يوسف:2.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة