منذ ما قبل الزمان بفرحتين، كانت الريح صافية وكان التراب يحترم العابرين على سحنته الضاربة في إلْف القَسَمات ما بين الصورة وظلالها..
ثم، من بعد الظلال بحفرتين..
كانت ثمة عابرة يسألها عابر: هل تقرأين الكف؟
- فقدتُ كفي، حين قطفتُ أولَ برتقالة.
- وهل تحبين الشجر؟
- أحبُّ أن أقفَ تحت الشجرة، وأنتظر.
تهالكت كل الفراغات واضمحلت ولم يبق من شكل المسافات إلا ما يشبه المسام. حتى الأسوار العالية تراخت وأصبحت تدور حول نفسها كفقاعات يتسلَّى بها السابحون من أقصاها إلى أقسى ما يكمن خارج احتمالاتها الرخوة. (كان يا ما كان). وتغيّرت مفرداتنا علينا. تغيّرت المعاني والإيقاعات. لم يخرج أحدٌ عن الخطوات المرسومة من أجله، ولكن الرسومات حققت ذواتها فاتحدت وتآمرت على كل الخطوط والدوائر. تشقق الشكل وعاد يغلق أقواسه ويحرر الفواصل والنقاط. هل الشكلُ إلاّ الأقواس المغلقة والفواصل والنقاط؟
جهاتٌ تضيقُ على بعضها
وبعضٌ يضيقُ بكلّ الجهاتْ
ولم يختلف في النداءات صوتٌ
ولم تختلف في الوجوه السماتْ
فكيف الصمودُ على وقفةٍ
وأين الطريقُ إلى المعجزاتْ
وكيفَ السبيلُ إلى سكتةٍ
وكيفَ الخلاصُ من الأمنياتْ
مصيرٌ هو المشيُ في مسفعٍ
لأنّ الدعاءَ يطيلُ الصلاةْ
كثيرٌ هو الموتُ، ندري بهِ
فقد ضاقت الأرضُ بالمكثراتْ
كثيرٌ هو العمرُ؟ أفٍّ لهُ
فقد أكثرتْ في الحياةِ الحياةْ
كأنما استيقظ من بعد سُباتٍ ماردٌ يحكي أن لا فرق بين ما كان وما سيكون طالما أن المكان هو المكان (وكان يا مكان)؛ أوَ لم يدر الماردُ أننا نعرف أن لا فرق؟ لماذا؟ لماذا يستيقظ الغارقون في سُباتهم منذ أزلٍ، لماذا؟ تكبر أسئلتنا علينا - فينا وتكبر علينا! - منذ (لماذا كبرنا؟)؛ ولم يصبح أحدٌ أكبرَ من صبره على ما كان أو سيكون..
إلى أينَ يمضي بكَ الصبرُ؟
هذا أوانُ التخطّي على جمرةِ النفسِ
فادعسْ على قلبكَ الآن
ارفع لياليكَ عن كلّ ضوءٍ وأطفئْ نهارَكْ
فلا نجمةٌ سوف تهدى إليك،
ولا شمعةٌ، حين عزّ التباهي، ستدخلُ دارَكْ
ولا قاربٌ سيطوفُ حواليك،
لا شاطئٌ سيكون اختيارَكْ
فأنتَ احترفتَ احتراقاً عظيماً
يجددُ فيكَ انهياراً قديماً
فصرتَ تسيرُ بغير مسار،
تنافسُ ظلَّكَ في الاختبار،
وتسبقُ في كلِّ يومٍ غبااااارَكْ.
الرياض
ffnff69@hotmail.com