عرفت هذا الرجل الفاضل في عام 1395هـ تقريباً في الطائف؛ حيث كان يتخذه مصيفاً له ولأسرته وضيوفه الكثيرين، وقد بنى بيتاً كبيراً إلى جوارنا في حي (قروى) الراقي، وفتح داره للضيوف المعروفين أو الطارئين وكان أنيق المظهر، متحضر السلوك، حسن السمت، فيه بقية من حياة الماضي ، وينتمي للطبقة المتعلمة في (نجد) وقال لي إنه من مواليد سنة فتح الأحساء عام 1331هـ = 1913م.
قبل أن أعرفه بقليل زارني ابنه الشاب (عبدالمحسن) في النادي الأدبي بالطائف في صيف عام 96هـ، ويبدو أنه كان المقدمة لمعرفة والده الكريم حقاً، وواسطة صداقة بيننا استمرت طويلاً، بالرغم من فارق السن، وكان هذا الشاب يقرأ، ويحب الأدب، وفيه علامات النجابة والألمعية وعليه مسحة من أناقة ووسامة أبناء العائلات المتوسطة الثرية، وكان وقتها – كما ذكر لي – يدرس الحقوق بمصر.. وعند ذهابي للقاهرة قابلته هناك عدة مرات وأقام لي مأدبة غداء حافلة في بيته لم يحضرها أحد – حسب شرطي – بيد أنه أسرف وبالغ !؟
وقد أحرجني في عام 1396هـ عندما قام معلقاً على محاضرة بالنادي للشاعر والوزير غازي القصيبي الذي لم يرد على ما قاله ليلتها من الهجوم اللاذع على شخصية أدبية ورسمية ووطنية لامعة وقد اعتذرت للضيف، وشعرت بأن هؤلاء الشباب الطالع يحبون الظهور ويتلبس بهم الغرور منذ البداية، وكنت وقتها أرأس نادي الطائف الأدبي والقصيبي ضيفنا.. ولكنني لم أعاتبه شخصياً أو أقطع صلتي به أو بوالده.
ظلت علاقتي بالشيخ (سعد) دائمة معتمدة على المحبة المشتركة له وللأدب والكتب والشعر والمراجل، كنت أعجب به وبكرمه وفتحه لبابه للضيوف الكبار والصغار والطارئين، وكان مجلسه كل ليلة حافلاً بالأدب والطعام، وكان أنيقاً مضيافاً يتحدث بالفصحى، ولا يتطرق لسفاسف الأمور.. مترفعاً في غير كبر.. متواضعاً في غير ضعة، محافظاً على رشاقته وصحته، وقد وصل الثمانين – في ذلك الوقت – ثم تعداها إلى التسعين كما كان محافظاً على الصلاة بالمسجد المجاور لبيته في (قروى) في كل أوقاتها. وحقق ديوان الشاعر: محمد بن عثيمين ونشره، وكتب في الصحف السعودية بعض المقالات الأدبية والتاريخية، وظهر على التلفاز السعودي والإذاعة في المناسبات الوطنية.. وكان يظهر إعجابه بشاعر الملك عبدالعزيز (العثيمين) بل ويحفظ شعره ويردده.
عمل مع الملك عبدالعزيز (غفر الله له) كاتباً في ديوانه وجالساً – كما يقول لي – عند ركبته! سنين طويلة حتى مات الملك العظيم فترك الوظيفة وعمل أعمالاً حرة.. فهو يعتبر من وجهاء الرياض وأغنيائها في الماضي، قبل أن يقعده السن والمرض أخيراً.
وكان - كما قال لي - تابعاً للمرحوم: عبدالرحمن الطبيشي، رئيس الخاصة الملكية، ثم وكيلاً لأملاك وزير المالية السابق: عبدالله السليمان، رحمه الله، وكان يعرف أسراراً كثيرة عن تلك المرحلة التي انقضت، ويخبرني ببعضها، ولكنه وياللأسف لم يكتب مذكراته - حسب علمي - وإنما يكتب أحياناً في الصحف السعودية ولاسيما في جريدة (الجزيرة) بعض انطباعاته.
وقد ألمَّ به قبل سنوات قليلة مرض عضال ودخل في غيبوبة (كوما) طويلة، شفاه الله ورفع معاناته فقد كان حقاً من بقية الفضلاء وزمرة النبلاء.
جدة