Culture Magazine Thursday  10/05/2012 G Issue 373
فضاءات
الخميس 19 ,جمادى الآخر 1433   العدد  373
 
الليبرالية.. الحرية
رائف بدوي

 

بعد مقالي الأخير الذي حمل عنوان (عن التنوير أتحدث) لامني الكثير من الأصدقاء على لغة المقال البسيطة أولاً، وعلى عدم توسعي في فكرته ثانياً، ولكنني وكعادة أحسبها حميدة ظللت أبحث وسط كل تلك الانتقادات التي احترمها بالطبع عن بقعة ضوء تخرجني ليس من الإحراج وما يصاحبه، بل لأخرج بما يعود على القارئ الكريم بالنفع وعليَّ أنا أيضاً، فخلصتُ إلى فكرة مشروع مقالات تصب في صالح تعريف مصطلح الليبرالية وخصوصاً التجربة السعودية منها وربما تكون لبنة أولى لتجمع في كتاب عن الليبرالية.

أن أقول إن الليبرالية ببساطة تعني أن تعيش وتدع غيرك يعيش شعار رائع ولا غبار عليه، ولكن لا بد من توضيح ماهية الليبرالية وتحديداً السعودية، بل الأهم من ذلك رسم ملامح وحدود ذلك المصطلح الذي يجد فيه الفريق الآخر المسيطر والمحتكر الحصري للحقيقة عدواً يجب النيل منه دون بحث أو دراية كاملة عن ماهية الليبرالية، وقد نجح هؤلاء في زرع العداء لليبرالية في نفوس العامة والأتباعِ وشحنهم عليها حتى لا تسحب البساط من تحت أقدامهم، فتذهب وصايتهم على العقول والمجتمعات أدراج الرياح المحملة بالأتربة.

إن جوهر الليبرالية والركيزة الأساسية لها هي (الإنسان والحرية) والتي منها اشتقت كلمة الليبرالية في الأصل، فالليبرالية لا تؤمن إلا بالحرية الفردية التي مكن الله منها الإنسان والتي جعلها من أهم خياراته فقصة الشجرة المحرمة وآدم ورفض إبليس السجود له، تضرب لنا أهم الأمثلة وأعمقها على حرية الفرد في كل شيء، إذ كان بإمكان الله أن لا ينهى آدم عن الشجرة المحرمة ولكنه اختبار منه لحرية آدم في الاختيار.

يقول المفكر السعودي د. تركي الحمد: فإني أرى أن الدين دون حرية لا يكون كاملاً. فالحساب ومن ثم الثواب أو العقاب، يكون قائماً على حرية الاختيار، وحرية الاختيار تستلزم وجود الشيء ونقيضه، ولكن عندما لا يكون هناك إلا خيار واحد فإن حرية الاختيار تنتفي، ومن ثم لا يكون هناك منطق في الحساب القائم على حرية الاختيار. فالله سبحانه وتعالى حين خلق آدم وحواء أسكنهما الجنة وجعلها يتمتعان بكل خيراتها، إلا أنه وضع هناك الشجرة المحرمة ومنعهما من الاقتراب منها، والسؤال هنا لماذا فعل الخالق ذلك؟ كان من الممكن أن لا يضعها، ويُخلد الأثنان في الجنة، ولكنه فعل ذلك لغاية معينة ألا وهي امتحانهما، والامتحان لا يكون إلا إذا كان هنالك خيارات، منها السيئ ومنها الجيد، وعلى الإنسان صاحب العقل أن يُقرر في النهاية. أن تكون مثلاً في بلد يمنع المحرمات بقوة القانون، فلا تقترب منها لأنها غير موجودة، فإن إيمانك لا يتعرض للامتحان هنا، أما إذا كنت في بلد لا يمنعها، ولكنه لا يجبرك عليها في نفس الوقت، فتمتنع عنها بقوة إيمانك، هنا يكون الامتحان الحقيقي.

إن التباس تعريف ووصف ماهية الحرية التي تدعو إليها الليبرالية هو ما جعل منها فريسة سهلة لتشويهها والنيل منها، والأمر أبسط بكثير مما يتوقع البعض فالليبرالية تعزّز حرية الفرد وتحميها من جميع أنواع التعدي، فالمنظومة الليبرالية لا تنظر لحرية الفرد بعيداً عن المسؤولية الفردية في المجتمعات، والتي تفضي بالضرورة إلى المعاني السامية وتشكلها، كحقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص، فبالتأكيد على أنه لولا المعارك التي خاضها الليبراليون رجالاً ونساءً على مر القرون لما تشكلت تلك المفاهيم والمعاني السامية.

إن الحرية التي تطالب بها الليبرالية ليست حرية منفلتةً لا رابط لها ولا ضابط، بل إنها منضبطةً بالقانون وسيادته حتى أنها هي المؤكد والمطالب بذلك، كما أنه يجب التركيز على المعنى الإيجابي للحرية دون الالتفات للجانب السلبي منها، لأن أي شيء قابل للاستخدام الصحيح كما هو قابل للاستخدام السلبي كالتكنولوجيا والطاقة النووية وغيرهما، ولنسميها (الحرية المسؤولة) مع التركيز على حرية الفرد، التي تعزز بالتالي وتحمي حرية المجتمع أكمل، فإذا كان من حقي أن أستنشق هواء نظيفاً، فإنه أيضاً من حقِّ المدخن أن يُخصَّص له مكانٌ للتدخين.

يقول ألبير كامو (الطريقة الوحيدة للتعامل مع عالم غير حر هو أن تتحرر تماماً حتى يكون جوهر وجودك حالة من معارضته).

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة