Culture Magazine Thursday  10/05/2012 G Issue 373
فضاءات
الخميس 19 ,جمادى الآخر 1433   العدد  373
 
رؤية
اعدل مع من تبغض وابغض من تحسن إليه!
فالح العجمي

 

عنوان هذه المقالة خلاصة نص تربوي يُقدم إلى تلاميذ السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية، ليهيئهم من أجل التعامل مع الآخرين في بلدان العالم، التي يذهبون إليها، أو مع من يأتي منها إلى بلدهم. وآتي إليكم بالنص من كتاب التوحيد، الذي استقيت منه تلك الخلاصة: «أخطاء في مفهوم عقيدة البراء: هناك مفاهيم خاطئة عند بعض الناس تتعلق بجوانب من عقيدة البراء منها ما يلي:

1 – الظن بأنّ البراءة من غير المسلمين ومعاداتهم وبغضهم يجيز ظلمهم والاعتداء عليهم وسلب حقوقهم. وهذا غير صحيح لأنّ بغض غير المسلم والبراءة منه لا يجيز ظلمه والاعتداء عليه، لأنّ الله تعالى أمر بالعدل ونهى عن الظلم مطلقاً، قال تعالى: {... وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ ... }.

2 – الظن بأنّ تحريم ظلم الكافرين والأمر بالعدل معهم والإحسان إليهم يستلزم منع البراءة منهم وعدم بغضهم. وهذا غير صحيح لعدم الملازمة بين الأمرين، فالكافر كما لا يُظلم ولا يعتدى عليه فإنه لا يُحب ولا يوالى، ومعاداة الكافر والبراءة منه لا تمنع الإحسان إليه، والبر بالكافر لا يلغي بغضه والعداوة له.

هل هذه الوصايا لمراهقين في عمر الزهور تربي نفوساً سوية؟ خاصة أنها ستجد بعض من ينتظرون مثل هذه الفرص من مدرسين موتورين، ليشعلوا الأحقاد في نفوسهم على كل أمم الأرض الأخرى.

هل نحن أمميون؟ هذا ما لمسته عندما رأيت الحجم الكبير لهذه الوحدة الخاصة بالولاء والبراء والتشبه بالكفار (وتقع في عشرين صفحة، غير عوامل الإثراء والنشاط التي يُطلب من المدرسين الاجتهاد في التوسع فيها، وهم لا يحتاجون بالتأكيد إلى توصية). وقد كُتب في الصفحة الأولى من هذه الوحدة: «بنهاية هذه الوحدة يتوقع من الطالب تحقيق الأهداف التالية:

1 – أن يتعرّف الطلاب أحكام عقيدة الولاء والبراء في الإسلام ومكانتها.

2 – أن يتبيّن الطلاب بعض صور موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين.

3 – أن يدرك الطلاب العلاقة بين الموالاة والاهتمام بشؤون المسلمين.

4 – أن يحذر الطلاب من التشبه بالكفار».

ثم تبدأ تعريفات الدرس، لينقل إليهم: «البراء في الشرع: بغض أعداء الله ومعاداتهم».

طيب! من هم أعداء الله؟ يتركها مفتوحة للمدرس واجتهاده، الذي يمكن أن يضع مليارات البشر ضمن أعداء الله، مما يستوجب معه أن يكره التلميذ أغلب البشرية.

معلوم أن عقيدة الولاء والبراء قد تكوّنت ضمن مفهوم جهادي بين معسكري الإيمان والكفر، وهو ما كان يدعو إليه حرفياً أسامة بن لادن. وكل تلك الاجتهادات تنطلق من منهجية واحدة، معتمدة على ابن القيم الجوزية، ومستندة إلى قراءة سيد قطب. وكانت الفترة التي عاشها ابن القيم تشهد ظروفاً عدائية بين المسلمين وغيرهم (في القرن الثامن الهجري - الرابع عشر الميلادي). فقد كان شبح الحروب الصليبية لا يزال ماثلاً في الأذهان، وكانت بربرية المغول لا تزال تفعل فعلها في الذاكرة الإسلامية.

لكن التطور الذي أسهم في أدلجة هذه القضية، حصل باندماج السلفية التقليدية بالأصولية القطبية الأكثر تسيساً. وقد حدث عندما لجأ الإخوان إلى السعودية، حيث نجحوا في تبوؤ مراكز مهمة في المنظومة التعليمية والتربوية السعودية. وحدث توافق بين المدرستين، ونتج عنها بداية ما يعرف بالاتجاه السلفي السروري. وارتكزت عملية التوفيق بينهما على ترسيخ وتشريع فكرة الولاء والبراء من خلال إعادة إنتاج فكرة الحاكمية التي اتكأ عليها طويلاً التيار القطبي الأصولي. فهل هذه القضية برمتها التفاف على منع كتب سيد قطب من التداول في المناهج السعودية؟

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة