وُصِفَ بأنه «صاحبُ قَلَمٍ لا يُشَقُّ لَهُ غُبَارٌ، لا تكادُ تنتهي مِنْ إحدى روائعِهِ، حتى تبحثَ عن ثانية، رَسَمَ على شِفَاهِ القَمَرِ قصيدةً، فانتشَتْ النّجُومُ والقمر» تَعَرَّفْتُ عليه مؤخراً، صحبني في جولة على رِجَال أَلْمَع، أثْرَتْ وِجداني، في مُنَاخٍ مُلائمٍ للعَطَاء، وهُوَ يُعَبِّرُ عن كَيْنَونَةٍ مُجْتَمَعِيّة واعية، مَنْ هو: «علي إبراهيم مغاوي» راصدُ حكاياتٍ شعبيةٍ وراويها «غَرْسَةُ» واحدة منهن، و»الرّاعي» الثانية، و»جَوَابُ نورة» الثالثة، و»خِتَانُ عَلِيٍّ» الرابعة، و»حِقْدُ بَعَيرٍ» الخامسة، و»حِكْمَةُ أُمٍّ» الخامسة و»أمِقْحِم وصاحبُه» السادسة، وغيرها، وغيرها من الحكايات الشعبية التي قال عنها» غالبها من المنطقة الجنوبية في المملكة العربية السعودية، وهي مُدَوّنَات بالفُصْحى، لا لأنّ تلك قناعتي حين جَمَعْتُها مِنْ: رُوَاةٍ، وراوياتٍ، بعذوبة أَلْسِنَةٍ نَقِيّةٍ، من تأثيرات العَصْر، على لُغَاتهم المَحْكِيّة، رغْمَ استماعي إليها بالصّوْتِ، بأساليبَ مُثِيرَةً أَخّاذَةً، لكنْ ضرورةَ التّدْوِين حَتّمَتْ تفصيحَها».

في المِنْطقة الجنوبية من وطني، شرائح متنوّعة مثقفة، نَمَتْ عبْرَ السنين، فانطبق عليها مفهومُ الشريحةِ المُثَقَفّة، لأنّ ثقافتَها صَادِرةٌ عَنْ وعْي مجتمعي، وعشقٍ للأرض، والتاريخ، صافِعَين التّخَلُّفَ، فتعاظمَ دَوْرُهم وما زال، وهكذا تجد نفسك أمام آلية يستخدمها مفكرون، يتقمّصون فيها وضعيات سابقة، فكانوا في مستوى أحجامهم الطبيعية، لم يتضخّموا، ولم ينزلقوا نحو مصير مُفْجِعٍ، ورسّخُوا ثقافةً ذاتَ مُعْطَىً جديد، وأصبحُوا اليومَ يؤدونَ مضموناً جديداً، بدون تزييف أو تصحيف.

«علي مغاوي» عاش في القرية، ودوّن قصةَ راعٍ، تقدم لخطبة ابنة شيخ القبيلة، وتَعَلَّمَ البِنَاءَ بالحجَرِ مِنْ أبيهِ الباني الخبيرِ الماهِر»وروى قصة بهية» وقد عادت إلى بيتها باكية محزونة، تصاب بحالة نفسية، تبقى لعدة أشهر، وتسوء حالتها، وترحل إلى جوار خالقها».

أمضيتُ أياماً مع حكاياته الشعبية، شَمَمْتُ فيها رائحةَ الصِّرَاعِ والضّيَاع، والالْتِيَاع، وكثيراً مِن المتناقضات، ورسّخَ فهْمَ الإنسان لنفْسِه، في قرية متشابكة الأبعاد، ومتداخلة، ومتفاعلة بعضها بعضا، وخصوصاً في القضايا التي تمس مصالحها، المرتكزة على رغبة مجتمعية مشتركة، تمثلث في بناء متحف من جيوب سكانها، لتأطير الذهن المجتمعي، ضمن إطار موضوعي، تجد الحقائق فيه مكاناً، ومجريات الأمور المحيطة بقرية رِجَال أَلْمَع.

«علي مغاوي» رويْتَ حكاياتٍ بأسلوب واقعي، وفي ذلك صِدْقٌ وأيُّ صِدْق؟ وشجاعةٌ وأيُّ شجاعَة؟ وتدوينٌ وأيُّ تدوين؟ أين وسائل الإعلام السعودية المسموعة والمرئية من حكاياتك، لتحفظ تاريخ أُمَّةٍ، وقَصَصَ أغلى وطَن، الفئاتُ المُثَقَّفَةُ فيه، تؤدي أدواراً إيجابيةً، على المستوى المَرْجُوِّ.