كتب - إبراهيم التركي
هي الأولى التي جمعت التحريرَ الصحفيَّ والكتابة المتخصصةَ والعملَ الأكاديمي والوظيفة الإشرافية الإدارية؛ فكانت مديرة تحرير وصاحبةَ زاويةٍ وأستاذةً جامعية وعميدةً مسؤولة، وقبلها ومعها وبعدها إنسانًا يسكنها التواضعُ ويزينها الوعي وتحددها سمات الأسلوب الباذخ والفكرة الراقية والهدوء الموضوعي والنأي عن الصخب والاستعراض وادعاء التنوير والتطوير والتغيير وهي في أول ركبهِ المنعتقِ من إسار النمطيةِ والمشدود بوثاقِ الشرعِ والمشروعية.
كانت ولم يكن إلا الأقلّ بين التاءات؛ فلم تستعرضْ بمناصبها بل قادها النّصَبُ للتميز ونأى بها العلوُّ عن التحيز، ولم ترَ حاملةً سوط الوصاية أو معتمرةً صوتَ الشكاية والشكّ والشكوى، وظلت الرقمَ الأبرز في العقلانية والهدوء والمبدئيةِ غيرَ عابئةٍ بمن صاروا أو صرن نجومًا لا يكادون يطؤون ويطأن الأرض تيها.
الأستاذة الدكتورة خيرية السقاف ممتلئةٌ بإيمانها وواثقةٌ بأدواتها وحفيةٌ بمتابعيها ومتابعاتها، وكم تجيء أسئلةُ الكبار عنها حين تختفي زاويتها العتيدةُ، وحين نبحث نجد أنه المرض الطارئُ أو السفر المفاجئُ أو الإجازةُ القصيرة؛ فهي تكتب «لما هو آت»؛ والمستقبل ينبضُ ولا ينضب، وهي لن تُقرأ اليوم فقط بل ستمكث غدًا.
أستاذتنا «أم حيدر ومحمد ومَعين ومن جرى مجراهم» تغيب عن المنابر الجماهيرية وهي سيدتها، والملحقاتِ الثقافيةِ وهي فاصلتها ونقاطها مكتفيةً بطمأنينة الذات ونبل الصفات، وسيجيء يومٌ يشار فيه إلى أن خيرية السقاف رقمٌ لا يتكرر؛ فلها العمر المديدُ والعمل السديد، و»معذرة اليراعةِ» إذ لا تسمو هنا كما قامتك.