* * قبل الثورة التقنية المحدثة اختصرتنا وسائط الاتصال مع الكتَّاب في البريد والفاكس والتسليم الشخصي ؛ فلم يكن الإنترنت ذا حضورٍ في أعمال الصحيفة والأفراد ؛ ما جعلنا محظيين برؤية ذوي الزوايا والمقالات والدراسات أو رؤية مندوبيهم ؛ مثلما كان البعيدون عن الرياض أو غير القادرين على الحضور إلى مقر الجريدة القديم في « الناصرية « يستخدمون الرسائل البريدية واللاقطية - حسب تعبير شيخنا حمد الجلسر رحمه الله -، ومن أبرز الملتزمين بإحضار موادهم الأستاذ الدكتور عبد العزيز الفيصل - رعاه الله - لزاويته « رؤى وآفاق « المتميرة بخطه العذب وأوراقه المسطرة وانتظامها في حجمها وموعد تسليمها وسيرها وفق نهجٍ تراثي موثق.
* * لم يكن الدخول للصحيفة يحتاج لموعدٍ وإجراءات أمن وتعريف ذات ، وبإمكان من شاء وقت يشاء الدخول للمحررين والمسؤولين والأقسام متى قرر ذلك دون أن يصادف من يسأله سوى سكرتيري المدير العام ورئيس التحرير كبقية القياديين الذين يحتاج عملهم لتنظيم مواعيدهم لا أكثر ، وحسبنا الله على من تسبب في تغيير وجه البلد من المكفرين والمفجرين ، وحمى الله الوطن من كل سوءٍ.
* * يذكر أنه كان منهمكًا في عمله ذات أصيل جميل ؛ فإذا بشابٍ صغير يدخل عليه باستحياءٍ وذوقٍ وأدب ويعرض عليه دراسةً موثقةً شديدة التعقيد موغلةَ التخصص ( ملاحظات على صحاح الجوهري )؛ فظنه قد جاء بها مرسلًا من أستاذٍ له في الجامعة ، ومع الحديث اكتشف أن هذا الشاب النابه هو صاحبها بحثًا وتأصيلًا ومراجعة ؛ ما جعله يطرب كما لا يفعل مع كثير من المواد ، وما دفعه لاستبقائه من أجل الاتفاق معه على استكتابه بصورة رسميةٍ.
* * أبرز مادته بعنوانها العريض ، واحتفى بما تلاها من موضوعات ، ثم اختفى الشاب فجأة كما حضر فجأة ، وكان قد أبلغه أنه طالب دراسات عليا في آداب الملك سعود ، ولم يكن بينهما تواصل شخصي ليعرف أسباب توقفه سوى تفسيرٍ متطقي يخص أطروحة علمية أو ابتعاثًا خارجيّا ، ورغم مرور سنوات طويلة « لا تقل عن عشرين عامًا « فلم ينسه وظل يبحث عنه حتى اهتدى إليه .
* * عرف أنه الدكتور جواد الدخيل الأستاذ بجامعة الملك سعود الذي أجمع على تميزه أساتذته وزملاؤه وطلبته ، ويذكر شهاداتٍ شفاهيةً سمعها من الأساتذة الدكتور عبد الكريم الأسعد - رحمه الله - والدكتور عبدالله الغذامي والدكتور إبراهيم الشمسان- حفظهما الله - وأدرك أنه كما غاب عن النشر الصحفي فقد هجر الجامعة بتقاعد مبكر « جدًّا « ولزم عزلته البحثية الصامتة التي نتطلع للإفراج عنها.
* * قابله - قبل عامين أو ثلاثة - في مناسبة أكاديميةٍ غيرِ رسمية - وكان في جانبٍ قصي من المجلس ، ودله عليه أستاذه الجميل أبو أوس الشمسان فسلم عليه بكل مفرداتِ الفرح والاعتزاز ، ورجاه أن يعود للساحة الثقافية التي تحتاج مثله وتسعى إليه ، لكنه أيقن من إجابته أنه ناءٍ عن الجامعة والإعلام والمشهد الثقافي العام وسعيدٌ بما هو فيه.
* * من الخسائر الكبيرة أن نفتقد «جوادالدخيّل» في أوجِ عطائه ، ولا يدري لم يقرأ - في تجربته - تجربة عبقري الجغرافيا العربية الأستاذ الدكتورجمال حمدان وكذا ما صنيع عبقري النحو والصرف الأستاذ الدكتور حسن شاذلي فرهود - رحمهما الله - اللذين غادرا كراسيهما الجامعية قبل أوانه ، ولكلٍ منهم « الثلاثة « مبرراته.
* * رد الله غربة حبيبنا الدكتور جواد؛ فقد افتقدناه طويلا؛ داعين له بطول العمر وتواصل العمل وعودته للساحة قريبًا، وتبقى سيرة الكرسي حفيةً بشخصية أخرى كان له معها موقفٌ مختلف وقت أن اصطدما مقاله بحاجزٍ رقابي ؛ فإلى الخميس التالي بعون الله.
Ibrturkia@gmail.com
twitter:@abohtoon