وامتدادا لما أوردته في الحلقة الماضية من الطعون التي أعقبت ما سمي «انتخابا» في نادي أبها الأدبي وهي الطعون التي جعلت الوزارة تعد وعدا، لا لبس فيه بإعادة الانتخاب، وهو الوعد الذي ما زلنا نطالبها بتحقيقه، من باب: «بيدي لا بيد عمرو» وبخاصة أن القضية قد اتجهت نحو اتجاهات لاتخدم الوزارة في موقفها الغريب مطلقا، ذاك أنها طعون قانونية مقنعة، قدمت وفق لائحة الوزارة، وفي وقتها المحدد، ورأى الطاعنون حينها أن يتعاملوا مع الوزارة بعيدا عن الإعلام، على الرغم مما اكتووا به من صياغات صحفية في إحدى الصحف المحلية التي أرادت أن تجر الطعون إلى منطقة ضيقة، وسيطول الحديث لو أردنا الاستشهاد، ولكن: لكل أجل كتاب.
أعود لانتخابات نادي أبها الأدبي التي جرت يوم 11من ذي القعدة من عام 1432هـ، حيث بدأ أعضاء الجمعية يتوافدون من بعد عصر ذلك اليوم، تدفعهم الرغبة في إنجاح هذه التجربة الانتخابية، وتواصل وصول الوفود النخبوية المستبشرة بهذه الخطوة الحضارية، واكتمل الحضور قبل صلاة المغرب، واجتمعنا في صالة تهيئة وتجميع، ثم نادى المنادي بعد ضيق وضجر من الانتظار أن انتقلوا إلى قاعة أخرى، وانتقلنا، وقبل الدخول كان عليك أن تسجل بياناتك، وتأخذ رقم مقعدك، وجهازك، وهي عملية تم تأخيرها قصدا، بينما كان الأولى أن تتم بحسب وصول الناخبين أولا بأول؛ لو كان الهدف غير التضييق على الناخب ! ثم قضينا فترة انتظار طويلة أمام طابور التسجيل حتى دخلنا قاعة الانتخاب الأخرى، وعدنا للانتظار من جديد، حيث إن مسئولي الوزارة لم يحضروا، وبدا أن هناك حرب أعصاب تلوح في الأفق، تعتمد سياسة القمع باستخدام سلاح التأخر الوقت، وبدأ مسلسل التسويف غير المبرر الذي صاحب العملية الانتخابية، وجلسنا طويلا على مقاعدنا، ثم اضطررنا للوقوف، وتحريك الأطراف، وبعد ساعات من الانتظار أدينا صلاة العشاء، ثم عدنا ننتظر، حتى جاء الفرج، ولكنه من ضيق إلى ضيق جديد، حيث بدأنا في إجراء «تجارب العملية التقنية الأكبر»، وهي تجريب الأجهزة التقنية، التي ناضل السادة «الحجيلان والكناني وعابس»، من أجل فرضها على الناخب، أما لماذا هذا الفرض، والهروب من الأوراق، فهو سؤال لا تحتاج إجابته إلى كثير تأمل ! وبدأ سعادة مدير الأندية الأدبية يشرح بطريقة مفصلة ومملة ومكررة كيفية التصويت، وعلى الرغم من سهولتها التي لا تتعدى الضغط على زر التصويت، مما يحسنه الأطفال في روضاتنا الكثيرة، وهو ضغط يمكن أن يكون بالبنصر، أو الخنصر، وأجاز بعض مسئولي هذه الأجهزة استخدام السبابة، والإبهام عند الضرورة ! أقول وبرغم سهولة العملية وأبجديتها إلا أن سعادته أطال كثيرا في شرح مالا يحتاج شرحا، وقلت في نفسي ترى: أية رسالة يريد الأستاذ الكناني أن يوصلها لنا ؟ هل هي رغبة دفينة تحاول إقناع الناخب المسكين بسلامة الإجراء ! ثم سألت نفسي أيضا: هل يتعرض المستخدمون لهذه الأجهزة في البرامج التلفزيونية التي تعتمد التصويت إلى كل هذا الشرح الطويل، الذي تتخلله جمل كنانية من مثل: (معي ولا لا ! انتبهوا - ركزوا - واضح - أعيد للمرة العاشرة وهكذا ؟) ومع التكرار الممل، عدت أقول: هل يتعرض المشاركون في هذه البرامج التلفزيونية لمثل هذا «التنكيل التقني» ؛ حتى يحلفوا بالله ألا يشاركوا في مثل هذه البرامج مرة أخرى؟ سألت صديقي الذي يجلس أمامي: هل عانى ما نعانيه الآن، وقد شارك في هذه البرامج ؟ فقال مجيبا وقد غمز لي إحدى عينيه: حسب نوعية الأجهزة! لم أفهم مراده إلا بعد حين، حيث ظهر أن بعض الأجهزة - هداها الله - كانت تصر على عدم العمل أثناء إجراء التجارب التقنية، وعلى الرغم من أني كنت أرى «الخناصر، والبناصر» تضغط على هذه الأجهزة، إلا أن السيد الكناني كان يكتشف بمهنية عالية أن مجموعة من الأجهزة مضربة عن العمل! ليس هذا فحسب، بل ويخرج لنا أرقام الأجهزة التي لم تعمل، ويحددها بالأرقام، ولله در هذه التقنية الهائلة ! وكنت أطلب من صاحبي التقني الذي يجلس أمامي أن يعين الجيران الذين لم يعرفوا كيف يصوتوا ؟ ولكنه كان يجيبني بأسلوبه الباسم المراوغ: سلهم أولا: هل تخنصروا أم تبنصروا؟ وبدأنا نتفقد أصابعنا وأجهزتنا، والسيد الكناني، يطلب منا مجددا التركيز، حتى تعمل هذه الأجهزة المسكينة، «التي أشهد الله الآن، أنها حملت مالا تحتمل» ! وأثناء ذلك نظرت لمن يجلس بجانبي وقلت له ممازحا: يبدو أن الأجهزة أخذت نزلة برد مع أجواء أبها فلم تعمل ! خزرني جاري العزيز بعينه، ورمقني بنظرة فيها ما فيها من التذمر من مداخلتي الباردة جدا، وعاد إلى جهازه دون أن يتحدث معي، ولسان حاله يقول: وقت ممل، وانتظار غير مبرر، وجوع وإرهاق، ودروس عجيبة متكلفة، وأنت تستخف دمك ! عاهدت نفسي للمرة الألف أن أبتعد عن حالة استخفاف الدم هذه التي تنتابني في بعض المواقف غير المناسبة ! وعدت إلى الأستاذ الكناني وقد أنهى درسا تقنيا معقدا جدا في البرمجة المتطورة جدا، عنوانه: « تخنصر أو تبنصر» وقد شعرنا جميعا بعد هذا الانتخاب التقني بقيمة التقنية الحديثة في اختصار الوقت فبدلا من أن ننتهي من الانتخاب لو كان ورقيا خلال ساعة أو ساعتين، لجمعية لم يتجاوز عدد حضورها ثمانية وسبعين عضوا، ونخرج بعدها راضين مرضيين، فقد خدمتنا «تقنية» الوزارة، فانتهينا من الانتخابات بعد خمس ساعات، إذا حذفنا منها طبعا درس «الضغط الكناني»، ومداخلات الأستاذ عابس المهمة جدا ! وبدأ التصويت وأشرأبت الأعناق المسكينة إلى الأسماء، والأجهزة، وكنا نتابع باهتمام وحرص، ومع ذلك فلم تكن عيني تفتأ تنظر إلى اثنين يجلسان آخر المسرح، لا ينظران، ولا يتكلمان، ولا يتحركان، ظهر من زي أحدهما أنه وطني، والآخر من دولة عربية شقيقة، ولن أنسى الحرج الذي تعرضت له حين حاولت بعد الانتخاب السلام عليهما، وبخاصة أن النتائج قد أعلنت، فهالني حالة الانزعاج والحرج التي كانا عليها، وتلفتهما الدائم، وحرجهما من أن يراهم أحد يسلمان او يتحدثان. عموما واصلنا ما سمي بالانتخاب، وقيل لنا إنكم انتهيتم، وعليكم الآن أن تستمعوا لكلمة من مندوب المثقفين، حيث رأت الوزارة أن يقوم مراقب الانتخابات بالحديث لجمهور المثقفين الآن، وليس بعد الآن، ريثما تتم طبخة الانتخاب التي كانت مستوية منذ البدء ! لكزني جاري الغاضب بجواري، وهو يقول: هناك خطأ غير مقصود، فالمراقب مسئوليته الآن أن يراقب، ويطلع عن كثب على عملية الولادة لهذه الأجهزة، ويطمئن على سلامة عملها ! حمدت الله أن تحدث معي بعد غضبته المضرية، غير أن المراقب الدكتور محمد الهرفي كان قد بدأ بالفعل يتحدث، وحين علم جاري العزيز أنه لم يتوهم خطأ، وأن المراقب هو الذي يتحدث الآن، وضع لي أوراقه، وقام مغادرا القاعة قبل إعلان النتيجة ! وسألته أن يبقى، بيد أنه أكد لي أن زوجته قد كبست له كبسة «حاشي» هي خير من هذه الكبسة التي أراها، وغادر ولم يعقب ! قام الخطيب المراقب، أو المراقب الخطيب يتحدث في الوقت غير المناسب، ولكنها رؤية الوزارة، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا في أبها، لكنا رجونا الدكتور الهرفي أن يتحدث عن فضل الصبر والاحتساب، ولتذكير بأن هذه الدار دار ممر لا مقر، وأنه من الخير لك أيها الناخب، أن تعيش مظلوما لا ظالما، وأن الأندية مظنة التعب، واختلاف وجهات النظر ! بيد أن الدكتور الهرفي تحدث عن أشياء بعيدة عن كل ذلك، ولعل ما يحمد لهذه الانتخابات التقنية الرائعة أن اللجنة الإشرافية كانت تطلب من المراقب أن يتحدث للجمهور في الوقت الحرج جدا، وعهدي بالمراقبين أنهم مطالبون بأشياء غير الكلام، إنهم مطالبون بالإشراف الدقيق على الأجهزة وهي تخرج النتائج، مطالبون بالاطلاع المباشر على خفايا هذه الأجهزة، لكن ما رأيته في انتخابات السادة «الحجيلان والكناني وعابس» كان مختلفا ومرعبا، وإلى هذه اللحظة لم أفهم هذه المراقبة التي قام عليها المراقبون، فقد رأيتهم في انتخاباتنا الأندية جالسين على المنصة، مثلهم مثل غيرهم، لم يغادروها إلا للحديث التلفزيوني أو الخطابة، ومن هنا فإني أطالب مراقبنا الفاضل الدكتور محمد الهرفي، وأسأله أن يشهد شهادة يسأل عنها أمام الله أنه مقتنع أو غير مقتنع بنزاهة انتخابات أدبي أبها ؟ وهل منحته الوزارة حقه الشرعي والقانوني في رؤية العملية الانتخابية بشكل يجعله يطمئن لنزاهتها ؟ ولا أعتقد أن الدكتور الهرفي سيكتم الشهادة عبر هذا «الملحق البهي». على أن من الغرائب في انتخاب أدبي أبها، وغرائبه كثيرة أن المادة الثانية من لائحة الانتخابات الأدبية تنص على وجود مندوب واحد عن الوسط الثقافي، ولكننا فوجئنا ذلك المساء بوجود مندوبين اثنين، أما لماذا ؟ فلربما كان انتخاب أدبي أبها من النوع الدسم جدا الذي قد يحتاج في هضمه إلى تعاون اثنين من الوسط الثقافي ! وهو سؤال لا يستطيع الإجابة عنه إلا السادة الحجيلان والكناني وعابس، وأنا أعلم جيدا مقدار الجهد والبذل والحرص الذي بذلوه ؛ من أجل هذه الانتخابات التي كنا ننتظر نجاحها، ولو بالدور الثاني وبدرجة مقبول ! لكنها أبت من حيث المبدأ أن تدخل اختبار المصداقية، وبحجج واهية واهنة، وما كان ينبغي لها ذلك ! فهل يكون من حقنا أن تحترم الوزارة عقولنا، وأن تعلم أن الصمت ليس علامة الرضا في كل الأحوال، وأن من واجب العارف أن يبوح بشهادته، «ومن يكتمها فإنه آثم قلبه»، وهي دعوة للمثقفين للكتابة حول هذه التجربة ؛ فما زال كلام معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة نديا منذ الأسبوع الماضي، وهو يدعو في ملتقى «الحوار الوطني» المثقفين لإبداء أرائهم بكل صدق... ولكن أي حوار ينشده معاليه والوزارة عبر شئونها الثقافية، وإدارة أنديتها الأدبية تتعامل مع مثقفي أبها الطاعنين بأسلوب لا تتعامل به أقسى «البيروقراطيات» المتسلطة المتجبرة ! وأي حوار ووزارته تمنحنا الدرر المملة في الإنشاء المتقن حول الحوار وتقبل النقد نظريا، وتقمعنا عمليا ! أي حوار أيها الوزير الأديب وأنا أسمعك شخصيا تؤكد لي: «أن الطاعنين سيأخذون حقهم»، ثم يأتي وكيل وزارتك للشئون الثقافية ليعلن هذا الحق أمام الجموع، ويؤكد قرار الإعادة، ثم تغلقون أمام هذا الوعد آذانكم ! إنني أنادي الوزير الأديب -عبر هذا الملحق الرائع - أن يفي بوعد وزارته... إلا إذا كان معاليه يرى رأي وكيل وزارته د. ناصر الحجيلان، ومدير الأندية عبدالله الكناني، ومتحدث الوكالة الرسمي محمد عابس، وهم عرابو ما سمي بالانتخابات، في تجاهلهم لمثقفي أبها الطاعنين، وشعورهم أنهم أقل من أن يلتفتوا لهم ! فذاك ما لا أعتقده في معالي الوزير، وأملي أن يكون رد معاليه - إن تفضل ورد - متجاوزا الردود «الحجيلانية والكنانية والعابسية» المعتادة التي تؤكد نزاهة الانتخاب، فتلك مسألة قد حسمتها طعون أبها، واعترف الوكيل بسلامتها، وأعلن قرار إعادتها، وأن يعلو في رده أيضا، وهو الشاعر المحلق دائما عن تلك العبارات المسكوكة التي تتحدث عن الضعف الذي يعتور البدايات، أو حداثة التجربة الانتخابية، وما شابه ذلك مما مللنا سماعه، فقد تجاوزنا هذه القضية أيضا، وعلمنا يقينا أن الوزارة تعرف خطأها الذي وقعت فيه في أبها، ولا زالت وكالتها للشئون الثقافية تحتاج لكثير من الشجاعة في إعلان موعد إعادة الانتخاب، فهل سيكون للوزير الأديب أن يحسم الأمر في قضية تمس مباشرة الشفافية والوضوح التي ينادي بها الوزير، وأركان وزارته ؟ إنها القضية التي تجعل هذه التنظيرات الجميلة على محك التجربة الحقيقي، وهو ما سيمنحنا الثقة، أو يجعلنا نعلن الحداد على كل هذه القيم النظرية، فلا حاجة لنا بها من الوزارة تحديدا، إن لم تكن الوزارة قدوة في انتهاجها ! وسيكون لنا الحق كل الحق في أن نجاهد بأقلامنا في سبيل توضيح قضيتنا، بل وفي سبيل مستقبل أفضل للثقافة في بلادنا الغالية، فلا يزال في الجعبة مزيد، وما زالت الكنانة عامرة، وبنو عمي فيهم رماح...
أبها