Culture Magazine Thursday  08/03/2012 G Issue 366
فضاءات
الخميس 15 ,ربيع الآخر 1433   العدد  366
 
وقفة مع «دم البينات»
علي الدميني يكتب قراءة قبل 25 عاما في إحدى قصائد الديوان
رائف بدوي

 

قبل ذي بدء أود التأكيد على أنني لست ناقداً شعرياً ولا حتى ثقافياً، ولكي أخرج من متاهات ودهاليز اعتبار هذا المقال مقالاً نقدياً تم التوضيح.

أن تكتب شعراً منذ الصغر فهذا أمر طبيعي ولنا في الشاعر الفرنسي «رامبو» أسوة حسنة، ولكن أن تكتب الشعر في صغرك وتشغل كبرى المجلات الشعرية في العالم العربي وأن يُقال عنك رغم حداثة سِنك ومن أحد رواد الحداثةِ الشعرية في السعودية الشاعر علي الدميني: «كان إحدى المفاجآت الشعرية الشابة في ساحتنا الثقافية نظراً لصغر سنه حين دشن تجربته الشعرية»، ورغم كل هذه البهجة والاحتفاء ثم تقلع عن الشعر فهذا التصرف يحتاج لعدة قراءات من المختصين والدارسين للحالات الشعرية.

نعم فبعد كل ذلك توقف «هاشم الجحدلي» عن كتابةِ الشعر في الثمانينات، حتى إن ديوانه الوحيد صدر في العام 2011م عن دار الانتشار العربي – نادي حائل الأدبي، وكانت أحدث قصيدةٍ فيه تعود للعام 1992م، كما أنه لولا جهود الشاعر «ياسر حجازي» في جمع قصائد الديوان وحثِ الجحدلي على طبعه، لما كان ديوان الجحدلي الوحيد رأى النور بعد.

يقول «علي الدميني» في ملحق أصوات الصادر عن مجلة اليمامة العام 1987م في قراءة بعنوان «قصيدة: (تداخلات مع الجوع والصمت.. والأسئلة) للشاعر هاشم الجحدلي.

تدخلنا هذه القصيدة في تجربة (النتاص) امتزاج نص بنص وفي تجربة كهذه فسحة غنية للتعبير عن الذاكرة المؤرقة بتاريخنا، والروح التي اغتنت بتراكمات تطور مجتمعاتها واحباطاته، وفيها استعادة لتجربة ماضية مازالت ملامحها مسيطرة بسطوة مستمرة على واقعنا المعاش. وتجربة التناص -عمومًا- ترفد النص المعاصر بكثافة حضور الماضي فيه أزمة وتشكيل وتسرب من خلاله حنين الصدى من الروح وأرق التذكر والوجع.

وفي قصيدة الجحدلي نتكاشف مع تداخل القصيدة مع نص (لامية العرب) من خلال تقاطع ملامح الأزمة المشتركة، فهي إذن تتعاطى مع نص الشنفرى من خلال مسارات الرؤية لا مسارات التشكل الشعري وحسب، وذلك لأن قصيدة الشنفرى حملت تاريخ رؤيتها الاجتماعية وحفظها ديوان العرب واستشهد بها النقاد وتداخل مع نصها الشعراء المعاصرون في سياق رؤيتها لا سياق إنجازها الفني وحسب.

وأعتقد بأن تجربة (التناص) مع شعرنا العربي الموروث لم تزل حقلاً فاردًا جناحيه مشرعًا ابوابه لكل مبدع للاستضاءة بوهج التاريخ، واستحضار تشابه أزمات الحاضر من سياقها التاريخي وكذلك بالإمكانات الهائلة التي تمنح الشاعر المعاصر فضاء رحبًا لا يحد لاستيلاد رؤيته من رحم التزاوج بين الماضي والحاضر وبالتالي إثراء تجربته الشعرية وشعرنا المعاصر.

يتداخل نص قصيدة الجحدلي في حاضره وتأسيس اغترابه -بأبعاده الاجتماعية- مع نص الشنفرى في لامية العرب، وفي مواقفه الاجتماعية التي حفظها تاريخنا الشعري في ديوان (الصعاليك).

وتأتي ممارسة الفعل الاغترابي تجسيدًا لطريق وعر وقاتل يدفع الشاعر لأن يرفع عقيرته:

أقيموا بني امي دموع عيونكم

وغنوا لأشجار تموت وترحل

ويرفد هذا الصوت صوت من الذاكرة قول الشنفرى:

اقيموا بني أمي صدور مطيكم

فإني إلى قوم سواكم لأميل

ويستمر غناء الشاعر المعاصر (الجحدلي):

وصبوا عذاب الصخر بين وسائدي

فإني إلى الصحراء والموج أميل

بهذا البوح الفني الآسر يعدو الشاعر خلف جده الشنفرى ركضًا في البراري واللا حدود.

انتهى كلام الدميني عن قصيدة الجحدلي.

فمن يقرأ ديوان دم البينات، لا بد أن يصطدم بمفردات البحر والملوحة والوحدة، حين يقول في قصيدته «تهافت النهار»:

في مساء قديم

بين جيمين من جنة وجحيم

مادت الأرض بي

فتهاويت في الماء

بعضي يرمم بعض الرميم

شبه مندثر

لم يدثر دمي غير هذا العذاب العميم

الذي يملأ القلب والطرقات

ويسلمني للنهار الذي لم يكن بالتقي

ولا بالنقي

ولا بالرحيم

واحد

ووحيد

يستبيح البراري

ينادم غربانها

فنعم الصعاليك من رفقة

ونعم الردى من نديم

واحد ووحيد

ها أنا جئتكم راحلاً من دياري

لأهبط في وادي العاشقين

وأتلو على ليلهم لعنتي

فاتقوا لوعتي

إنني ذاهب في الغواية حتى أقاصي

السديم

حيث لا وجهة ارتجيها

ولا أمنيات أمني بها الروح

ولا شيء يفضي إلى أي شيء

وحيث المدينة نائية

والزمان سقيم

ها أنا أهبط الآن في وادي العاشقين

وأرمي على عرصات الهوى

غربة العاشق المستهيم

أرتجيها تجيء

تهلّ على زمان مالح

ونهارٍ أليم

وتغسل أردانه

فأطلت مبرئة من عذاباتها

وأتتني من الغيب تغمرها

فتنة مرّة

وجمال أثيم

تهبط ناصعة من جحيم الظهيرة

والشمس

تستوطن القلب

تجتاحني بالنعيم.. النعيم

فكأني أسيل على مرفقيها

كأني سقطت على صدرها من علٍ

مقبلٌ.. مدبرٌ

راحلٌ.. ومقيم

فرأيت الذي لم أرَ

ورأ يت الندى

طالعًا يتشكل أسئلة

في فضاء بهيم

والأرض زرقاء.. زرقاء

والبحر أنقى

فصرخت بهم:

ها أنا دون رمضاء وحدي

على الرمل ملقى

فأي الفضائل للنور والنار؟

أي مجد لهذي الظهيرة إذ شمسها

تستقيم

أي مجدٍ لها..؟

أي مجدٍ لهذا النهار الرجيم..

لقد بدأ الجحدلي ديوانه بالفاتحة:

«قلوبُ العَارفين

جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة