ليس من الرشد بمكان أن ينحاز المثقف نحو تيار يحمل أفكاراً معينة، عناداً فقط لتيار آخر، بسبب جدلية معينة.. ففلسفة الانحياز لا تعني بالضرورة المقاطعة والعناد، وربما قد تعني التنافس الإيجابي نحو تعميق الفهموم الثقافي، وإن اختلف كلاهما في مفهومه..
إن التفاوت في آلية الطرح في أي مجال تخضع لعدة أسباب تجعل منها تفاوتاً منطقياً من موضوع لآخر، ومن زمان لآخر، وتختلف أيضاً من مكان لآخر، وكل هذه التفاوتات تعطي المادة المطروحة أهمية وعمقية ذات مرتكزات، تكون معاكسة لأي حجر عثرة قد تعيق الطرح نفسه؛ فالاختلاف ثقافة ومنهجية يدركها من هو متفهم، ويجعلها ثمرة تطورٍ ونهوضِ تخدم به المسار؛ أي مسار يتواكب ومنهجية العصر والمكان.. من هنا قد لا تتوافق، وقد تختلف أيضاً معي حول آلية إقامة مهرجان أو فعالية بمساندة منظم خارجي، يقوم بكل أبعاده التنظيمية، وليس لك إلا النظر والابتسامة حينما يتوافق وما ترمي إليه، أو العبوس حيناً آخر حينما ترى خلاف ما تطمح إليه وأن آلية التنظيم أخذت مساراً مغايراً عما نسقت ورتبت معه عليها..
أنا شخصياً لا يروق لي أن أسلم فعالية معينة لجهة تنظيمية خارجية تحمل طابعاً تجارياً أو ربحياً دون مشاركتها خطوة بخطوة وحركة حركة وأرفض أن تقوم بكل الترتيبات وأن يسند إليها كل الأدوار، ولا يكون دوري إلا متفرجاً.. قد تنجح الفعالية، وفي احتمالية بأنها قد تفشل كونها لم تحقق الحد الأدنى من الاتفاق المبرم بين الطرفين.. فهذا المنظم (الشركة) لا يخلو من أهداف مادية ودعائية أنت تقدمها له على حساب نجاح فعاليتك، وله الحق في ذلك كون هدفه الجوهري مادياً بحتاً، بعكس ما ترمي إليه أنت وهو إيصال رسالة تحمل فكراً وجوهراً معيناً من خلال هذا المهرجان أو تلك الفعالية.. وقد أشبه في مثل هذه الحالة؛ حالة نجاح طالب لم يحضر الاختبار وتعلن النتائج ويكون ناجحاً.. نعم هو في حالة فرح وشعور جميل لكنه يدرك بينه وبين نفسه أن شعوره الداخلي شعور ليس شعوراً حقيقياً، وأنه شعور مزيف كون هذا النجاح لم يسبقه جهد..!
ليس أنا هنا أعني بالضرورة جهة ذات سقف إداري رسمي أو شبه رسمي، ولكنني ربما أمرر هذا أيضاً على الأنشطة الصغيرة التي لا تحمل أفكاراً وآليات حديثة للحراك.. وليس بالضرورة أيضاً أن يكون الطرح هذا يحمل بعداً سلبياً، ويرمي إلى إيصال رسالة غير مباشرة إلى جهة معينة أو احتفالية ذات بعد معين، لا، ولكنها رسالة عامة ربما يتوافق معها آخرون ويرفضها آخرون، وكل ما أظنه أن الاختلاف في الرأي لا يفسد الود.. فالاختلاف فكر يعطي ثماراً يانعة، ولكنه قد يتحول إلى خلاف وتفسد هذه الثمار، وتفشل الصيغة التوافقية ويتحول الود إلى قضية، ربما تطورها يهدم ما بني من بناء وتشييد، وبالتالي لا تكون الثقافة إلا معول هدم لا بناء..!
Albatran151@gmail.com
الأحساء