Culture Magazine Thursday  08/03/2012 G Issue 366
فضاءات
الخميس 15 ,ربيع الآخر 1433   العدد  366
 
البيوت
بيوتنا ليست بيوتاً
لمياء السويلم

 

لماذا ينبت الخوف في بيوتنا ويكبر كلما تقدمنا في العمر، لماذا نكذب كثيرا في تقديم أنفسنا أمام أفراد العائلة، لماذا نضيق في بيوتنا الواسعة والكبيرة، ونشعر أننا محاصرين في أبسط تصرفاتنا، لماذا تغيب أصواتنا في البيوت وتعلو خارجها، لماذا كلماتنا تختزل في مفردات ضيقة ومكررة لا تشبه قلوبنا ولا عقولنا، ولماذا نخبئ أحلامنا كما نخبئ أسرارنا، ولماذا ننافق في قبول ما لا نحب ورفض ما نريد، ولماذا لا نعرف أننا نفعل كل هذا والذي يعرف منا لا يستطيع أن يغير أو يتغير ؟!

لماذا تبدو عوائلنا كشخص واحد بصوت واحد وصورة واحدة، نحن الذين نعيش عشرة أفراد وأكثر في البيت، لماذا ندجن نحن العشرة في حياة واحدة، مقام واحد، سفر واحد، خوف واحد، فرح واحد، مستقبل واحد كما لو كنا سننتهي في موت واحد أيضا، لماذا يغيب الكلام عن بيوتنا ولماذا نثرثر كثيرا مع الأصحاب ونعجز عن صف خمس كلمات مع آبائنا، لماذا نتردد كثيرا قبل أن نعبر عن آرائنا، لماذا نخاف من أن نختلف عنهم، لماذا نرتعب أن نتصرف كما تمليه قناعتنا، لماذا ننافق في حب ما لا نحبه، لماذا لا نصرخ لحظة غضب يعترينا، لماذا نبكي وحيدين ومختبئين، لماذا نتعفف عن ما تشتهيه عقولنا كي نبدو ناضجين ومتعقلين وكي يستمر الرضا علينا.

كيف أصبحت بيوتنا متورطة بقوانين لم يسنها أحد سوى التواطئ الصامت بين الكبار، كيف يكبر الصغار نسخ مكررة عن الكبار، كيف يخاف الأب من أن يتغير فيهرب إلى بيت جديد وزوجة جديدة وآبناء جدد، وكيف تكافئ الأم غياب الأب بالحفاظ على البيت كما أراد له أن يكون، خائف ومحاصر وعاجز عن التغيير، لماذا تخاف الأم أن تتغير فتتعب وتمرض وتموت لأنها لم تستطع أن تبوح بأحلام العمر الكبير، لأنها أم أكبر من أن تحلم بعيد ميلاد واحتفاء وحفلة فرح، لأنها أم عاقلة لن تشتهي هدية حب من رجل شاركته عشرين عاما من حياتها، لأنها أم ليس لها وعليها إلا الدعاء.

لماذا نخاف جميعا أن نتغير، ولماذا تعلق أجراس الخطر ونواقيس الشك كلما تنبهنا إلى صمت فتاة مفاجئ، شرود فتى غير معتاد، ابتسامة أو دمعة لم نلمسهما من قبل، كيف كبرت البيوت وصار لكل أفرادها حجرات محكمة الإغلاق ومع هذا ضاقت المساحة بالجميع، كيف تضيق الأنفس بالمساحة التي تكبر، كيف نفهم أن العقول والقلوب تحتاج فضاءً حراً للفعل والقول، للفكر والسلوك، فلا تنفعها مساحات بيوتنا الشاسعة تحت الرقابة والخوف.

لماذا وكيف، ومئة سؤال وأكثر لن تكفي لنسأل عن بيوتنا، لنفهم معنى البيت ومعاني العائلة، بيوتنا التي تملؤها الأسئلة ولا تعرف الأجوبة، بيوتنا التي تدلها أقدامنا وتخطئها نبضات قلوبنا، بيوتنا التي نسكنها ولا تسكننا، بيوتنا التي تسرق أعمارنا ولا نستطيع قطع يدها ولا فك قيدها ولا إسقاط سلطتها، بيوتنا التي يحكمها مزاج خطيب المسجد كل جمعة يولول بما يشاء، بيوتنا التي يعيث فيها الجار وشيخ القبيلة وبرامج المساء، بيوتنا التي كلما أحكمنا إغلاق أبوابها كلما هربت أرواح أبناؤنا منها إلى نوافذ السماء.

lamia.swm@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة