Culture Magazine Thursday  08/03/2012 G Issue 366
فضاءات
الخميس 15 ,ربيع الآخر 1433   العدد  366
 
فاطمة ناعوت وصناعة الفرح
فيصل علي أكرم

 

للشاعرة والناقدة والمترجمة المصرية الأديبة فاطمة ناعوت اتجاهات ثقافية متعددة، ومن يتابع خطواتها في كل اتجاه يجد حيرة في تصنيفها، فهي حين تترجم عملاً أدبياً أو حين تكتب نقداً أو حتى مقالة صحافية تتجاوز السائد وتصل بطرحها إلى مرتبة (التميّز) الذي يفتقده كثيرٌ ممن أفنوا حيواتهم الثقافية في اتجاه واحد!

غير أني وجدتُ الأولوية في وصفها بالشاعرة، ليس لأنها تتميز بالشعر عن كونها ناقدة أو مترجمة أو أديبة تكتب أكثر من زاوية ثقافية أسبوعية، بل لأن (الشعر) هو المتقدّم دائماً على كل الفنون، أو هكذا يجب أن يكون. وحين أتصفح ديوان فاطمة ناعوت (صانع الفرح) الصادر مؤخراً (2012 عن دار ميريت بالقاهرة) أجد حيرة أيضاً بين نقاط الوقوف على حالة معينة، فأنا لستُ ناقداً حتى أتناول الديوان تناولاً نقدياً شاملاً، كما فعلت هي في كتابتها النقدية المتميزة عن (سيف بن أعطى) حتى جعلتني أعتزّ بمقالتها القصيرة اعتزازاً يفوق اعتزازي بدراسات مطوّلة قدّمها مختصون بالنقد الأكاديمي عن ذلك الكتاب!

فلأنني كذلك، ولأن ديوانها الجديد (صانع الفرح) يمتاز بالجماليات التي تمتاز بها أعمالها الأخرى، كان من الممكن أن أشكرها على تزويدي بنسخة منه دون أن أكتب عنه كتابة لا تقول شيئاً سوى الإعجاب – فقد يتهمني البعضُ أنني أردُّ إعجابها بإعجاب! – ولكنّ في الديوان ما استوقفني بالفعل وقفات ليست عابرة، بل تتشعبُ أفكاراً تخطر ببالي وأنا أقرأ هذا المقطع المعنون (لو أنني فقط):

أقدرُ أن أثبَ للسماءْ!

لأمسكتُ يده

ومسحتُ بها على رأس الصغير «عمر»

سينظرُ لأعلى برهةً

ثم يخرجُ من التوحّد!

وحتى لا يخلط أحدهم بين التوحد والتوحيد، أو بين عمر وعمر، فيظنُّ في هذه العبارات ما يستوجب (تكفير) الشاعرة – انجرافاً مع الموضة السائدة هذه الأيام! – سأقتطف من مقالة قديمة لها هذه السطور:

(صغيري «عُمَر» كان معي. وهو لا يستوعب معنى الاحتجاز والاعتقال. ليس وحسب لأنه فنان، ونال المركز الأول على الجمهورية في الرسم بالزيت، بل لأنه متوحّد autistic. وتلك الكائناتُ الجميلةُ العذبة، المتوحّدون، لا يفهمون معنى الحبس وتقييد الحرية).

إذاً فالشاعرة هنا تقصد ابنها الذي أراد الله له أن يكون (متوحداً) كما أراد له أن يكون فناناً مبدعاً في الرسم؛ والشيء الأجمل في هذا الديوان أن لوحة (الغلاف) جاءت بريشة هذا الطفل المبدع (عمر نبيل) وموقعة باسمه، وفيها طفل وطفلة يقفان وسط مساحة خضراء كاخضرار القلوب البريئة..

(صانع الفرح) اسم يليق بهذا الديوان الغنيّ بالإبداع الذي يصنع فرحاً من صميم الألم، وذلك كان أول ما استوقفني فيه، ثم استوقفتني قصائد كثيرة تؤكد على براعة الشاعرة فاطمة ناعوت في تضمين إبداعها برسائل ذكية تخاطب بها إنسان هذا العصر، في ايّ مكان كان. تقول في قصيدة (سُقيا):

لكنكَ

لا تقدرُ أن تبكيَ

فكيفَ تنتظرُ

أن تنبتَ زهرةٌ

على صدر حبيبتك؟!

ولأنّ أحداً في عالمنا الراهن والمرتهن هذا، لميعد قادراً على أن يبكي بكاءً حقيقياً ينبتُ الزهرَ على صدر الحبيبة، ولأننا بتنا نحتاج إلى زهور على صدور من نحب، ولأننا نحتاج ممن نحبُّ أن يكون ذا صدرٍ حقيقيّ يستطيع الزهرُ أن ينبتَ عليه. تقول الشاعرة في (شيء يشبه الملح):

البنتُ الطيبةُ

تحتاجُ إلى كذبةٍ أخرى

وأخيرة

كي تنجوَ من لسعةِ العقرب

الذي تسلل إلى هودجها

ذات غفلة..

تقولُ لفتاها:

اكذبْ عليَّ

كَذِباً شريفاً

وذكياً

مثلما المصلُ يكذبُ على خلايانا

فنبرأ من السَّقَم.!

تدهشك فاطمة ناعوت كذلك في دواوينها الأخرى، منذ مصافحة عناوينها: (نقرة إصبع)، (على بعد سنتيمتر واحد من الأرض)، (اسمي ليس صعباً)، وغيرها من الإشارات الدالة إلى أبعادها.. وثمة عنوان لإحدى قصائدها لا يمكن أن يمرّ بك من دون أن يلفت انتباهك: (الخيل والليل والبيداء.. لا تعرفني)!

ولعل من أجمل ما قرأتُ في توصيف شاعريتها، ما كتبه د. حسن فتح الباب عن أحد دواوينها، يقول: (والعالم الذي تحلِّقُ في فلكه فاطمة ناعوت بأجنحتها الرفافة يدور حول أشواق الشباب ومكابداته في العشق والإخاء الإنسانيّ وتوقه إلى واقعٍ أجمل وغدٍ أفضل، فتبدو نصوصُها كأنها ابتساماتٌ قمرية وارتعاشاتُ نجومٍ تغالبُ الظلمةَ أو زهرات صبّار مونقة رغم العطش المرّ)..

ffnff69@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة