الصورة في الأصل تعني الشكل، وما سيتحدث عنه البحث، صورة للصورة الأصلية، والصورة في أساسها إعلامية، والإعلام هو الإخبار بشيء ما يقوم في أساسه على الصورة والتصور، والتصور في اللغة يعني التخيل، والمخيال عند العرب ما يصنع على هيئة صورة لها معنى، فالراعي عندما يغيب لفترة معينة يضع العصا التي يستعملها، ويضع عباءته عليها فتراه الغنم وترتع في أمن تظن صاحبها موجود، وكلمة إعلام مأخوذة من الفعل المتعدي (أعلم) المأخوذ أصلا من الفعل الثلاثي اللازم (علم)، ومنها العلامة، أي الدليل على شيء معين، ومن معانيها (البيان)، وقد تطورت الصورة في العصور القديمة، من الشفاهي إلى المكتوب، عندما نقلت إلى حروف بدلا من التصوير على المعابد والكهوف، وغيرها، وما يعني هذا البحث ما تقوم به الصورة من تحقيق أهداف المصورين وإيضاح المعاني وترسيخ مفاهيم بدلا عن مفاهيم أخرى سبقتها، حيث قامت الحداثة بدور الصورة في استبدال وسائل النقل والمنازل وطريقة طهي الطعام، ونقل الصوت من مكان إلى آخر بواسطة المذياع، ثم تلا ذلك نقل الصوت والصورة معاً عن طريق التلفاز والسينما بلونين، ثم تطور ذلك إلى كل الألوان، ودخلت وسائل التقنية الحديثة وطوعت الصورة في صالح الإنتاج، وتمت عمليات المونتاج المصطلح عليها (الدبلجة، والقص واللزق collage)، ولما ظهر البث الفضائي أتاح الفرصة لكل توجهات المنتجين، ولم يعد هناك سيطرة كاملة كما كان في العقود الماضية، إلا على عدد قليل من الفضائيات التي تملكها الدول، وهذه بدورها تسخرها لتوجهاتها، وانقسم المتلقي إلى قسمين: قسم مثقف يزن ما يشاهد بعين المثقف العالم بكثير من الأمور، والقسم الثاني، مشاهد تهمه الصورة الإعلامية/ الإعلانية بالدرجة الأولى، وفي الآونة الأخيرة أخذ عدد المشاهدين من هذا النوع يتجه إلى قنوات أخرى يحملها معه أينما كان (فيس بوك وتويتر) واهتم منتج الصورة الإعلامية بهذا النوع لسهولة وصوله إلى المتلقي، وخاصة في الأخبار المثيرة والإعلانات، ولم يعد للقنوات المؤدلجة دور كبير كما كان قبل عقد من الزمن، وحلت مكانها قنوات الأخبار السريعة، نظراً لما يدور في العالم العربي من تغيرات سياسية، ومهما يكن فدور الصورة في التأثير ما يزال قوياً، في قلب الحقائق وتلميع الهدف من الخبر، ودبلجة الصورة ولصقها، وقد ثبت عندنا كمشتغلين بالإعلام مشاهدة صور في مكان ما منقولة من مكان آخر بطريق الكولاج، وقلب لغة الخبر إلى الجانب المضاد، وعلى أي حال ستبقى الصورة عاملا مؤثراً في المتلقي، وعليه أن يكون واعياً لما يشاهد، فبقدر ما أفادت قوما أضرت بآخرين.تنقسم الصورة إلى عدد من الأنواع في الثقافة العالمية بحسب الاستعمال والمعطيات منذ ظهور الخليقة على وجه الأرض، والصورة في أصلها ذهنية تتعلق بذهن المتلقي عن طريق السمع والبصر، وحتى اللمس للصور البارزة- كما فعل (برايل الألماني)، وتتجه نحو الدماغ ليبرمجها في مكانها الصحيح على شكلها في الواقع، فإن كانت شجرة وضعها في متخيل المتلقي من ضمن الشجر بنوعيتها وفصيلتها وموقعها الجغرافي، رابطاً بينها وبين الخلفية الذهنية للمتلقي الذي سيقوم بدوره برسمها على الكهوف والمعابد وعلى الأحجار مسجلاً بها تاريخاً معيناً أو رامزا بها إلى صورة ذهنية لإبداع معين من الشعر أو النثر لتبقى شاهداً على حقبة تاريخية معينة ستدرس في وقت من الأوقات كأثر لتلك الحقبة الزمنية بدلائل آثارية معينة تتداعى من الذاكرة بصور ذهنية أخرى تدل على الحدث، أو تقترب منه، وتنقسم الصورة الإعلامية إلى عدد من الصور تكون في النهاية مادة إعلامية متطورة من جيل إلى آخر، ومن تقنية إلى تقنية، مع الاحتفاظ بالأصل الخارجي، وتلعب التقنية أدواراً متعددة في تكوين الصورة المراد تقديمها إلى المتلقي حسب أهداف ومعاني يعنيها المنتج لهذه الصورة، وإذا أراد الدارس أن يصل إلى هدفه من الدراسة للصورة فعليه أن يأخذها من تاريخها الأول ليصل بها إلى فنونها الحديثة، ويدرس تقنياتها العلمية ومراحلها التي مرت بها، ولا ينكر أحد من الدارسين دور الصورة في الإعلام، وأنها استطاعت أن تغير كثيراً من المفاهيم والثقافات، وفي الحلقة القادمة سيكون لنا حديث حول هذه المفاهيم وكيفية التعامل معها بجدية أكثر ووعي بما يقدم لنا من صور، في وسائل الإتصال الحديثة، ومدى تأثير هذه الصور على المتلقي.
الرياض