Culture Magazine Thursday  22/12/2011 G Issue 357
ترجمات
الخميس 27 ,محرم 1433   العدد  357
 
مجلة (ذا إيكونوميست) تتساءل بغضب:
هل ساهمت مناهج كليات الأعمال في تخريب الاقتصاد العالمي؟

ترجمة وتعليق: حمد العيسى

تقديم: نقدم هنا تقريرا هاما نشر في قسم الأعمال في مجلة ذا إيكونوميست تحت عمود شرفي يحمل اسم المفكر الاقتصادي النمساوي/الأمريكي الراحل شومبيتر. وهو عمود جرت العادة أن يكتبه البروفيسور أدريان وولدريج المتخصص في الإدارة ورئيس مكتب مجلة الإيكونوميست في واشنطن سابقاً. وهو تقرير مهم ويفتح العيون النائمة لأنه عميق ومبتكر وأكثر من رائع وضروري لكل طالب وبروفيسور وعميد في أي كلية أعمال Business School) والتي تسمى أحيانا كلية التجارة أو العلوم الإدارية أو الإدارة الصناعية) ويتخرج منها حملة ماجستير إدارة أعمال (MBA) ومهم كذلك لرؤساء الجامعات والأهم للمديرين التنفيذيين في الشركات الكبرى، وذلك لأن الكاتب ربط بذكاء بين (مناهج الدراسة في كليات الأعمال وأخلاقيات العمل في كبرى الشركات) من جهة، وبين (الكارثة المالية العالمية) الأخيرة (2008) من جهة أخرى، وهذا ربط مبتكر لم يسبق أن قرأت مثله مطلقاً. وتركنا مصطلح (HBS) من دون تغيير أي كلية هارفارد للأعمال Harvard Business School نظراً إلى شهرته الفائقة وكثرة وروده في التقرير لدور خريجيها من حملة ماجستير إدارة أعمال المحوري والمهم في الكارثة المالية العالمية كما يعتقد الكاتب.

التقرير

كليات الأعمال لم تفعل شيئاً يذكر لإصلاح أنفسها في ضوء أزمة الائتمان العالمية؛ فقد كان هذا عام حصاد الرماد والحزن لكليات الأعمال في العالم، حيث اتهمهم النقاد بإنتاج منهج تعليمي وتربوي ساهم في دمار مالي واقتصادي عالمي غير مسبوق. العديد من البروفيسورات قبلوا على الأقل بعض المسؤولية عن الكارثة المالية/الاقتصادية العالمية، وبعض العمداء النزيهين بدأوا بالفعل وضع خطط من أجل إصلاح المناهج داخل تلك الكليات.

ولكن ماذا كانت النتيجة؟! لا شيء يذكر تقريباً!! كليات الأعمال أدخلت مقررات قليلة جديدة كرد فعل على الأزمة المالية العالمية. طلاب HBS ابتكروا وأدخلوا تعهد أو قسم طوعي اختياري ل (خدمة الصالح الأعظم)، من بين الأهداف النبيلة الأخرى، والتي اعتنقها ونفذها ما يقرب من نصف الخريجين لهذا العام. ولكن بالنسبة إلى الجزء الأكبر، فإن المنهج الدراسي في كليات الأعمال بقي كالمعتاد. عمالقة تدريس الإدارة جاهدوا بقوة ليصححوا الوضع ولكنهم لم ينتجوا شيئاً مفيداً يستحق الذكر.

هذا أمر سيئ للغاية، لأنه لا يجب عليهم الاقتناع تماماً بفكرة أن كليات الأعمال كانت (سبباً في الكارثة)، لكي يبادر عمداء كليات الأعمال بتغيير وتطوير مناهجهم، على الأقل قليلاً، كرد فعل مطلوب في ضوء الكوارث المالية الأخيرة.

معظم القياديين في قلب الأزمة من ديك فولد في شركة (ليمان براذرز)، إلى جون ثين في شركة (ميريل لينش) إلى آندي هورنبي في شركة (إتش بي أو إس (HBOS للخمات المالية والتي أصبحت جزءاً من مجموعة لويد البنكية، لديهم ماجستيرات في إدارة الأعمال. والمفارقة أن مستر هورنبي كان الأول على دفعته في HBS.

في السنوات الأخيرة انتهى المطاف بنحو 40 في المئة من خريجي كليات الأعمال إلى العمل في وول ستريت، حيث طبقوا بدأب التقنيات والمناهج التي كانوا قد أنفقوا ثرواتهم على تعلمها في كليات الأعمال. لا يمكن لكليات الأعمال الادعاء بأن مهمتها هي: (تعليم وتخريج القياديين الذين يصنعون فارقاً في دنيا الأعمال)، كما تدعي دائما بفخرHBS، ثم تتبرأ من أفعال خريجيها عندما يكون ذلك الفارق الذي صنعوه في دنيا الأعمال شريراً ومدمرا!

السؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت كليات الأعمال تحتاج إلى تغيير في مناهجها، ولكن كيف ومتى يجب أن تفعل ذلك عملياً؟ واحد من أكثر الأجوبة الشائعة، وكثيراً ما يسمع من خارج الكليات، وأحياناً من داخل الكليات نفسها، هو أن تعليم الإدارة يجب أن يبدأ من الصفر Scratch مرة أخرى. بناء على هذا الرأي، هذه المؤسسات العلمية، في هذه اللحظة، ليست سوى أكثر قليلاً من معاهد لتعليم خدع الاحتيال غير الشريفة في مجال الأعمال، وهي مبنية على وهم خاطئ أنه يمكن أن يتحول تخصص (الإدارة) إلى (علم) مكرس لهدف سامي هو عدم تعليم الناس الجشعين كيف يُشبعون شهواتهم للمال بأي طريقة!!!

لكن هذا ليس صحيحاً بالمطلق؛ فقد أكدت دراسة لاثنين من الاقتصاديين، نيك بلوم من جامعة ستانفورد، وجون فان رينين من كلية لندن للاقتصاد، أن الشركات التي تستخدم تقنيات الإدارة الأكثر انتشاراً، من النوع الذي يجري تدريسها في كليات الأعمال، تتفوق على أقرانها التي لا تفعل المثل في المعايير المهمة كلها لهذه المسألة، مثل الإنتاجية ونمو المبيعات والعائد على رأس المال. كثير من الشركات في العالم النامي، وليس أقلها الصين، يسعون بقوة إلى توظيف المزيد من حاملي ماجستير إدارة الأعمال (MBA) لتحسين طرقها التقليدية في الإدارة.

وهناك حجة ثانية رائجة وهي أن كليات الأعمال بحاجة لوضع مزيد من التركيز على أخلاقيات العمل Ethics، وعلى المسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility وهناك الكثير من الحديث عن تبني «مبادئ الإدارة المسؤولة(Principles of Responsible Management، مثل الاستدامة والشمولية.

وهذا شي منطقي، فقد كشفت دراسة في عام 2006، عن مستوى الغش في الكليات أن 56 في المئة من طلاب الدراسات العليا في تخصص الأعمال قد غشوا بالفعل أثناء الاختبارات، في مقابل غش 47 في المئة من طلاب الدراسات العليا في التخصصات الأخرى. وعزا الباحثون ذلك إلى «سلوك الأقران الملاحظ» (Perceived Peer Behavior) ويفترض أن المزيد من الحديث عن الأخلاق في مناهج كليات الأعمال قد يؤدي إلى تغيير هذه التصورات.

ولكن سيكون من الخطأ أن نتوقع الكثير من تطبيق فكرة (المسؤولية الاجتماعية للشركات)؛ لقد ناقشت هذه الفكرة كل من كليات الأعمال والشركات الكبرى لسنوات عديدة من دون أن يتحول رجال الأعمال إلى ملائكة ومن المفارقة أن أحد أكبر دعاة هذه الفكرة كان الدكتور كينيث لاي ، الرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين لشركة إنرون (التي انهارت بفعل غش وخداع رئيسها كين لاي نفسه!). إضافة إلى ذلك، الكثير من المعجبين بفكرة المسؤولية الاجتماعية للشركات يخلطون بين هذا النوع من (التدمير الخلاق) الذي يجعلنا جميعاً أكثر ثراء في المدى الطويل، مع غش وخداع الشركات.

لذلك، ما الذي ينبغي على كليات الأعمال القيام به لتحسين أدائها؟ إدخال كورسات أكثر للتاريخ الاقتصادي من شأنه أن يساعد في تحسين الوضع بدون شك. عمالقة الأعمال في المستقبل الذين سيتخرجون من تلك الكليات بحاجة إلى تعلم وفهم أن التاريخ الاقتصادي مليء بالأزمات والكوارث، وتعلم أن الطفرات تفسح المجال - لا محالة - للانهيارات، وتعلم أن دورة الأعمال، بعد أن تنجو من توقعات عديدة للفناء، تواصل افتراس الاقتصاد الحديث. كارثة عام 2008 الاقتصادية والمالية، قد تصبح مفاجأتها أقل من ما حدث لو كان كل حملة ماجستيرات إدارة الأعمال قد علموا أن هناك ما لا يقل عن 124 انهياراً مالياً سببها بنوك في جميع أنحاء العالم منذ عام 1970، ومعظم تلك الانهيارات قد سبقتها طفرات في أسعار العقارات والأسهم، وتدفقات رؤوس أموال كبيرة، وارتفاع الدين العام (تعليق المترجم: أي أنهم لا يستفيدون من دروس التاريخ الذي «يعيد نفسه» كما يقال).

لنضع دروس التاريخ جانباً؛ فكليات الأعمال بحاجة إلى تغيير لهجتها أكثر من مناهجها، وخصوصاً، تعزيز الفضيلة التوأم: الشك والتشاؤم. الخريجون في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، يبدو أنهم تقبلوا بسعادة فكرة أن الهندسة المالية الذكية Clever Financial Engineering، على نحو ما، يمكن أن تلغي المخاطر والغموض، بينما في الواقع هذه الهندسة المالية جعلت الأمور أكثر سوءاً. ومن الجدير بالذكر أن فضيلة الشك هي سمة فطرية طبيعية لعمالقة الاقتصاد المالي الخبيرين، خلافاً لأقرانهم المبتدئين في مجال الأعمال حتى لو كانوا أذكياء. البروفيسور أندرو لو، من كلية سلون للإدارة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان مولعاً بالإشارة إلى أنه في العلوم الفيزيائية يمكن لثلاثة قوانين أن تفسر 99 في المئة من السلوك، في حين أنه في دنيا الأعمال تحتاج 99 قانوناً، في أحسن الأحوال، لتفسر 3 في المئة فقط من السلوك.

حذار من الراعين المتحمسين

الخطيئة الأصلية (Original Sin) في كليات الأعمال هي الراعين المتحمسين. البروفيسورات في كليات الأعمال يميلون دائماً إلى نفخ ومديح الشركات التي توفر لهم المواد الخام للتعليم على أقل تقدير وترعى برامجهم! وإذا كانوا محظوظين، لا مانع من بعض العمل الاستشاري المربح. لقد أنتجت كلية هارفارد للأعمال (HBS) دراسات متملقة/منافقة تقريباً لكل لص وبلطجي من رؤساء الشركات في الآونة الأخيرة، ابتداء من شركة (إنرون) (التي كانت محشوة بالكامل بخريجي معهم ماجستيرات من كلية هارفارد للأعمال) إلى «رويال بنك أوف سكوتلاند». طعم الحوافز للبروفيسورات تعزز بوصول قيمة تجارة ما يسمى بموضات الإدارة الحديثة (Modern Management Fads) إلى ملايين الدولارات. البرفيسورات الطماعون – الذين احتل لوغو الدولار مكان البؤبؤ في عيونهم، أصبحوا يعلنون باستمرار عن ولادة أحدث تقنيات ثورية في صناعة موضات الإدارة» (Management Fads) التي تدر عليهم ملايين الدولارات، أو اكتشاف رهيب لخرافة يسمونها نموذج السوبر-شركة (Supercorp). كليات الأعمال بحاجة إلى إفساح المجال للأشخاص الذين لديهم استعداد لنقد ممارسة الشركات التي ترعاها، وبالتالي لوخز فقاعات الأعمال التجارية الوهمية، وفضح وتعرية البدع الإدارية، وبالعموم فضح/هزيمة معظم المديرين الشريرين.

قديماً كان الملوك يحضرون مهرجين، ليطرحوهم أرضاً من شدة الضحك. ولهذا، حان الوقت الآن لكليات إدارة الأعمال أن تحذو حذوهم.

المغرب Hamad.aleisa@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة