Culture Magazine Thursday  22/12/2011 G Issue 357
فضاءات
الخميس 27 ,محرم 1433   العدد  357
 
عش نورس
الإفصاح غير المباح
ميرفت عبدالرحمن السحلي

(الحلقة الأولى)

أيها المطرودون من الأسِرّة.. يا وجع المنفيين.. الموت يأتي فجأة.. ولا أرض توارينا.. نريد يومًا إذا ما ضللنا - ينادينا - الطريق.. وصبحًا يغسل رؤوسنا من ليالي الشتاءات الحزينة.

إنها مشكلة الأقليات في العالم العربي ولن يتمكن هذا العالم من استقراره والنار تستعر داخله على هذا النحو، والذي يعد من المشاكل التي أقلقت العالم، في ظل انتشار الطغيان والاستبداد، وقيام الأنظمة القومية الديكتاتورية، وما نراه من تعسف وإعراض عن منح الأقليات حقوقها كاملة، ومساواتها بباقي المواطنين، بحيث تصبح مواطنين لا رعايا، وليست مواطنين من الدرجة الثانية ليس لها حقوق الآخرين، كما كان عليه الوضع في خلال 14 قرناً من الزمان مضت وحتى الآن؛ أدى إلى مجتمع متفاوت ما بين سادة وعبيد، ليس في الطبقات فقط، وإنما في الكينونة ذاتها، وبغياب الضمائر والديمقراطية وشرائع حقوق الإنسان، تفاقم الأمر ببعض الأنظمة إلى ممارسات جينوسايد حقيقي بكل ما تعنيه الكلمة من إبادات جماعية، وكتم وإنكار الهوية ونفي واعتقال لبرهان على ما ينتظر هذه الأمة من نكبات ستغير من خارطة العالم.

ولعل نكبات العهد العراقي البائد وانفصال جنوب السودان، وما ننتظره من أحداث الآن في سوريا ومصر وبلاد المغرب لأكبر دليل على أن مشكلة الأقليات في العالم العربي تتزايد خطورة في ظل غياب معايير وقيم إنسانية، أبرزها قيم المواطنة بحقوقها الكاملة.

عندما يتجه العالم العربي لطريق الحرية وبهذا الوقت - يصارع الكورد في سوريا والأمازيغ في بلاد المغرب إلى الوجود ذاته حتى وهو يحيا على أرضه التاريخية.

ثرى وذكريات الندى

وأقدام الفاتحين في قديم الزمان

لا ينتأ الضوء فجأة.. لا يسلم الجسد وجع التحلل.. ولا يزهق الروح خنجر.. ولا يقتل صبرنا مزيدًا من وجوه الشهداء.

يرمي الضوء بذاته رغمًا عن كل التوجهات التعتيمية - جسدًا ممددًا - فوق مناطق الكُرد، وليس عنصرية منه، بل إرهاصًا لقرعات الطبول؛ فالساعة دقت؛ فشقت سنين الخرس.

كُردستان تعني أرض الكُرد، وهذه المنطقة تتضمن أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال سوريا وجنوب شرق تركيا، ويتواجد الأكراد - إضافة إلى هذه المناطق - بأعداد قليلة في جنوب غرب أرمينيا وبعض مناطق أذربيجان ولبنان.

جرائم معنية مبرمجة من رأس شيطاني ترمي بكل وضوح إلى التخلص الكامل أو الجزئي من الوجود الكردي على مر السنين، واستناداً إلى ذلك يمكننا أن ندرك معاناة هذا الشعب في سورية ضمن دائرة الجرائم التي تصنف على أنها جرائم الجينوسايد.

حكاية شعب:

الكُرد شعب مسلم شديد التمسك بدينه، يعيش على أرضه التاريخية، له تراث قيّم وبصمة غيّرت من مسار التاريخ والفنون، قدَّم للإسلام والمسلمين خدمات جليلة، وخرج من بينه قادة وعلماء كبار، كشيخ الإسلام أحمد بن تيمية، وغيره من الرموز الإسلامية. وأشهرهم القائد الأيوبي صلاح الدين وهو من أسس الدولة الأيوبية والتي قامت بجهود كبيرة في توحيد مصر والشام بينما كانت الخلافة العباسية في حالة ضعفٍ شديد، كما تصدت للصليبيين، وتمكنت من الانتصار عليهم في معارك عظيمة في "حطين" و"المنصورة".

برز الأكراد في التاريخ الإسلامي، من خلال دولة كبرى كانوا هم مؤسسيها واستمرت ما يقرب من مائة عام، غير أن أطماع سماسرة السياسة شرَّدت هذا الشعب ومزقت أحلامه، ثم جاء الاستعمار؛ فبذر بذور الشتات وازدادت المشكلة الكردية تعقيدًا حيث سعت هذه الدول إلى تقسيم الشعوب العربية والإسلامية إلى أقليات دينية وعرقية بهدف إضعاف القوى الإسلامية وتفتيت تماسكها؛ فسعت في بادئ الأمر إلى تقسيم إقليم كردستان إلى أربع مقاطعات وزعتها على أربع دول قسرًا في اتفاقية "سايكس بيكو" المبرمة بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، وهذا لامتلاك منطقة كردستان أهمية جغرافية واقتصادية كبرى؛ فهي إحدى الصلات بين الشرق والغرب، وفيها تتفجر ينابيع غزيرة من النفط الحيوي للعالم، كذلك فإن المنطقة غنية بالمعادن والموارد الطبيعية.

إنه الاستعمار.. أباطرة الشر وقانون الإرهاب الأعظم.. يسلب شعب يقدر تعداده بأكثر من أربعين مليون نسمة من آدميتهم، وهي نسبة غير دقيقة بسبب جرائم القتل الجماعي سرا والتجريد من الهوية ومكتومي القيد، والتهجير أو الهروب من عذابات الأنظمة الاستبدادية، بينما يهب أرض فلسطين لليهود اعتقادًا منه أنه يستطيع أن يرث الأرض والإنسان - يهب لمن يشاء ويسلب ممن يشاء؛ فتبت يداه.

أيها الاستعمار.. أيتها النظم الاستبدادية: لا تشعلوا العتمة في اليوم.. فمهما دببتم في الأرض.. لن تقع النجوم لتنكسر تحت حوافركم.. مهما صوبتم إلى القمر سهامكم.. لن تغتالوه.. مهما رشقتم أظافركم في الأعمار.. لن تنهكوها.

الإسماعيلية

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة