Culture Magazine Thursday  22/12/2011 G Issue 357
فضاءات
الخميس 27 ,محرم 1433   العدد  357
 
شوهد في الدخول!!
قاسم حول

أصبحت مواطناً هولندياً وأنا عراقي الجنسية. أحمل جواز سفر هولندي وأضعه في جيبي ولم أبرزه لرجل بوليس يوماً وأنا أتنقل بين بلدان أوربا. وكان يؤرقني في البلدان العربية تعبير»شوهد في الدخول» ثم «شوهد في الخروج» المهم أني مشاهد تحت المراقبة البوليسية العربية. أنهم شاهدوني وأنا أعبر الحدود وشاهدوني وأنا أخرج من الحدود. في أوربا لم يشاهدني أحد فيما أنا عار تحت معرفتهم. يعرفونني عندما أصعد الباص أو الترام أو المترو أو القطار لأنني أستعمل بطاقة إلكترونية تعرفهم في اللحظة متى صعدت المترو ومتى نزلت منه. متى صعدت القطار ومتى نزلت منه هم يعرفون ولا يعرفونني أنهم يعرفون. يعرفون كم أصرف من المال عند التسوق وتستقطع مني الضريبة دون أن أعرف. كنت سابقاً أسأل نفسي لماذا لا يغير العرب أختامهم. ختم «شوهد في الدخول» مثلا يصبح «أهلا وسهلا» وشوهد في الخروج يصبح «إلى اللقاء»

اليوم جواز سفري ليس عليه أختام لكنني أحمله في جيبي على سبيل الاحتياط. ليس فيه «شوهد في الدخول» وليس فيه «شوهد في الخروج» لكنهم شاهدوني حتى عندما أقضم التفاحة في انتظار القطار القادم.

البلدان العربية لا تدرك بأن مجموع التراكمات السلبية تتجمع كلها فينتج الكم نوعاً مماثلاً في الكم من الغضب ينفجر يوماً ويطلق عليه ربيعاً أو خريفاً أو صيفاً أو شتاءً!

اليوم وأنا أتطلع إلى شاشات التلفزة التي تؤرقني حقاً أستعيد الحكاية التالية وأعرف لماذا الربيع!؟ الربيع الذي عندي عليه وجهات نظر كثيرة ولكنه بشكل أو بآخر انعكاس لما حصل لي وهي قد تبدو حادثة فردية لكن دلالاتها كبيرة. لذلك على البلدان العربية أن تتعلم الدرس حتى لا تتزحلق في برد الشتاء أو تهرب في سخونة الصيف الآتي!

شوهد في الدخول

لا أعرف شكل القوانين الفانتازية كلها والتي تحكم الناس في عالمنا العربي!

أنا جاهل بها ومستغرب منها!

كنت أقوم بإخراج فيلم «عائد إلى حيفا» عن رواية الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، واصطحبت معي الممثل «منذر حلمي» وهو صديق لي لتصوير مشاهده في البلد العربي «...» وسمعت أن القوانين تقول إذا كان جواز السفر عليه أختام، أية أختام كانت أو عليه تأشيرات سفر، أية تأشيرات كانت صحيحة أو مزورة فيمكنك المرور واجتياز الحدود والدخول إلى ذلك البلد ويختم على جواز سفرك «شوهد في الدخول». أما إذا كان جواز سفرك خاليا من الأختام، كأن يكون جواز سفرك السابق لم يعد فيه مكان للأختام فحصلت على جواز سفر جديد، عندها لا يحق لك دخول البلد! هذا منطق غريب وغير معقول لو أردت أن تشرحه لأية مؤسسة شاءت الصدف الغريبة أن تصبح لاجئا أمامها وتقول لهم «حاولت أن أدخل البلد العربي كذا هاربا من بلدي فمنعوني من الدخول لأن جواز سفري كان بدون أختام التأشيرات فهو جواز سفر جديد لضحكوا مني» وأنا قبل أن أدخل البلدان العربية بجواز سفري الهولندي فإن جواز سفري ليس عليه ختم واحد لأنني أتنقل بين هذه البلدان دون أن يختم على جواز سفري «شوهد في الدخول» بل لم يطلب مني أحد أن أبرز له جواز سفري، فالقطار والباص والسيارة تجتاز الحدود ولا أحد!

عندما وصلت حدود ذلك البلد كنت متشككا بصحة ما سمعت إذ لم تدخل هذه الحكاية دماغي المزدحم بالمكونات العجيبة لعالمنا العربي. كان جواز سفري والحمد لله «معجوق» بالأختام ولكن صاحبي الممثل «منذر حلمي» يحمل معه جواز سفر جديد. ختم الشرطي جواز سفري «شوهد في الدخول» لكنه رفض ختم جواز سفر صاحبي «الممثل» لأن أوراق الجواز ليس عليها أي ختم ومنها ختم «شوهد في الدخول» وبعد نقاش طويل طلب مني استحصال موافقة «العميد». ذهبت إلى غرفة العميد. طرقت الباب «حتى كلّ متني» ثم سمح لي بالدخول. اصطدم نظري بنياشين ذهبية على كتفي السيد العميد. كان يتطلع بإمعان نحو صور حسناوات في مجلة «الشبكة» دون أن يكلف نفسه النظر باتجاهنا. قلت «.. سيادة العميد.. نحن.. أنا.. مخرج سينمائي وكاتب مسرحي.. ناقد.. ممثل.. صاحبي ممثل مسرحي وسينمائي وتلفزيوني.. جواز سفري أسود من كثرة الأختام.. جواز سفره أبيض بسبب عدم وجود أختام في أوراقه.. نحن إخوانك.. لابد.. والفيلم يا سيادة العميد عن فلسطين قضية العرب الأولى والمسلمين.. والقصة لغسان كنفاني الذي فجر سيارته الإسرائيليون واستشهد في منطقة الحازمية.. والوطنية.. الوطن يا سيادة العميد.. أنا غريب.. من العراق.. جواز سفري ختموه «شوهد في الدخول» لأنه مزدحم بالتأشيرات. أما جواز سفر صاحبي الممثل فهو جديد.. لو سمح سيادتكم.. جواز سفر صاحبي أبيض مثل قلبه ومثل حليب الوالدة حفظها الله لكم. أما جواز سفري فإنه أسود مثل ليلي الداجي.. إضاءة المشهد السينمائي منصوبة في بلادكم.. الكاميرا السينمائية مرفوعة.. سلك الكهرباء مجرور.. والبلاتو مفتوح.. ويا سيادة العميد لا مناص من ذلك.. عطفكم سيادة العميد»

رفع سيادة العميد رأسه قليلا.. تطلع نحونا بازدراء وقرف. حرك حاجبيه بمعنى الرفض. أشار بإصبعه نحونا أن نغادر الغرفة وبسرعة!

كان ذلك بعد عشرة أعوام من ذكرى هزيمة حزيران!

حمدت الله كثيراً كثيراً أننا هزمنا في حرب حزيران مع إسرائيل، فلقد تصرف معي هذا الجيش القابع في غرفة الحدود وهو يتصفح مجلة الشبكة ويتطلع إلى صور النسوان فيها، تصرف معي بهذا القدر من الازدراء وهو مهزوم!

كيف سيتصرف معي لو كان منتصراً!؟

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا - هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة