Culture Magazine Thursday  22/12/2011 G Issue 357
فضاءات
الخميس 27 ,محرم 1433   العدد  357
 
طقوس وطرق الكتابة
د.زهير محمد جميل كتبي

بعد نشر مقالي «نظارة جدي» بجريدة عكاظ، اتصل بي صديقي المشاغب دائماً الاستاذ حمود الغامدي قائلاً لي: عيب عليك كيف تقول وتكتب: (وعادة اقرأ وأنا مبطوح انبطاحاً شديداً حتى أستطيع أن أخرج الغث مما أقرأه..)، وطبعا العم حمود مو فاهم الأمور فأخذته العزة والشهامة في قولي.. (مبطوح).. فقلت له إن طرق الكتابة والقراءة لها علوم وفنون وأشكال وطرق عند الكتاب. ولا تستغرب أن.. (ينبطح).. كاتب فاليوم دول تنبطح. وقامات وهامات تنبطح.

وبعض الكتاب كما ورد في مذكراتهم أنه يكتب وهو عريان، وآخر وهو نصف عريان، والثالث يكتب وهو لابس الملابس الداخلية فقط، وآخر يكتب ورجليه مرفوعة لأعلى، وآخر لا يكتب وإلا بجواره امراة جميلة وأنا من هذا النوع - هكذا أظن - وآخر يكتب وهو مخمور، وآخر يكتب وهو محشش، وآخر يكتب وهو على ظهر حمار.

وآخر حين يكتب ترتفع درجة حراراته ويحتاج إلى عشرين قالب ثلج حتى تنخفض الحرارة.

وآخر يكتب وهو جالس على البحر أو النهر، وآخر يكتب وهو فوق عامود شجرة.

ونوع آخر يكتب حين يشاهد الدماء تسير أمامه.

وبعضهم لا يكتب إلا عندما يضرب لأنه سادي.

ونوع لا يكتب إلا إذا دفع له فتشتغل قريحته.

ونوع يكتب وهو يستمع للأغاني مثل أم كلثوم وعبدالوهاب وفيروز وأنا أحدهم.

ونوعا لا يكتب إلا وهو يبكي.

وقد يجمع ويمارس الكاتب الواحد كل هذه الأنواع من طرق الكتابة، وذلك حسب حاجته ووضعه ونفسيته عند الحاجة لفعل الكتابة.

أيها القراء لا تنفجعوا من وصف هذه الحالات فهناك حالات وحالات يصعب ذكرها وكتابتها.

ولكن العلم بالشيء، ولا الجهل به.

سألني أحدهم كيف تكتب ؟ قلت له لماذا تريد أن تعرف كيف أكتب وهيئتي أثناء الكتابة؟! ثم أكملت له قائلاً: إن الكتاب والأدباء والشعراء لهم. (طقوس)..و.. (تقاليد)..,. وأشياء غريبة من كثرة وجودها بينهم، حيث اعتادوا عليها, ولم تعد تحمل أية غرابة أو تثيرهم، بل قد تثير غيرهم عندما يعرفونها.

ومن تلك الطقوس أثناء الكتابة: كاتب أثناء الكتابة يضع قوالب الثلج حوله.

ويظن أن الثلج ضيف دائم عنده.

لأن الثلج يخفف من درجة حرارته.

كاتب يدخن بشراسة وشراهة أثناء الكتابة.

وهذا النوع يعتقد أن التدخين يدفعه للإنجاز الكمي.

كاتب يعيش حالة من الرومانسية أثناء الكتابة.

فيضع الألحان والأغاني الجميلة والهادئة.

كاتب أثناء الكتابة يخلع كل ملابسه.

لأنه يحب أن يجرد من كل شيء أثناء الكتابة.

فيكتب بموضوعية.

كاتب يكتب وهو يبكي من شدة الألم من التفكير.

لقناعته أن الكتابة لا تتحرك في ذات الكاتب إلا بعد وقوع الحدث أو الكارثة أو الموقف.

كاتب يكتب وهو مخمور حتى النهاية.

لقناعته أن العقل عندما يختمر تزداد حيويته وعطاؤه.

وأن الخمر تخلق عنده الوضوح والشفافية والقدرة على التفكير.

*..,. لقناعته أن الشجرة لا تتلون مثل الحرباء فهي ثابتة.

فثبات الشجرة يخلق فيه ثبات الموقف والفكر.

وإن الشجرة تتحمل كل أنواع القذف والرمي بالحجارة.

ولكن الحرباء قد تقتل من أول حجر تقذف به.

*..,. أي أنه مبطوح على بطنه.

لقناعته أن النوم يخلق صفاء الرؤية ووضوح الموقف.

ولقناعته أن الكتابة على الكرسي تخلق له كثرة التنقل والوقوف والتردد, والبحث عن الضوء.

وكثرة الرغبة في تغير الكرسي، وتغير موقعه بل تغير موقع الكرسي بصورة دائمة يجعله يكون.. (قرون الاستشعار).. عن بعد.

فيشارك في كل شيء، فيرقص حسب الطلب, وربما لا يدفع له ثمن ذلك الرقص.

وربما يرقص بقدر ما يدفعه مشاهد الرقصات وهم كثر.

كاتب أثناء الكتابة يصاب بالرعشة والقشعرية.

فهو لا يستطيع الصمود أمام الدموع أو البكاء.

ويخاف الحزن، ويخاف من الظلم والظلمة.

*.. وهذه الرعشة تزداد في ظل مرحلة سياسة الصمت.

والحالات التي تنمو فيها الشائعات.

على حساب الحقائق.

إنه الموسم الذي يكثر فيه تخصيب.. (النفاق).. وبكل أشكاله وفنونه. والموسم الذي يتكاثر فيه..(الكذب).. كاتب أثناء الكتابة لا يكتب إلا وسط أكوام هائلة من كميات الورق, وبالذات الملون.

لقناعته أن قانون الكتابة عنده يعني شيئا واحدا هو: ماذا تريد السلطة أن نكتب؟.

لقناعته أن السلطة هي الأفضل له ولكتاباته وأفكاره.

هذا النوع من الكتاب هو الذي يستخدم الشعارات الزائفة للتغطية على الحقائق الثابتة.

إنهم متعهدو المصالح والغايات الضيقة.

إنه النوع الوحيد من الكتاب والمثقفين الذين لا يسعون إلى الصدام والمواجهة.

هذا النوع من الكتاب هو الذي ينسف ويدمر سقف الحريات الموضوعية.

فتصبح الكتابة عنده بلا أسقف.

إنه الذي يتجاوز مبادئ وشرف ميثاق الشرف الفكري والثقافي.

هذا النوع من الكتاب هو الذي يعمل على..(تسييس الكتابة).. ويضرب كل شيء.

والله يسترنا فوق الأرض، وتحت الأرض، ويوم العرض، وساعة العرض، وأثناء العرض.

*أديب وكاتب سعودي - مكة البريد: Zkutbi@hotmail.com الموقع: www.z-kutbi.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة