دشّنت رابطةُ الأدب الإسلامي بالبيانِ الذي أصدرته يوم الخميس الماضي مرحلةً جديدةً من مراحلِها، بدت فيها أكثرَ تعاطياً مع من يختلف معها، وأكثرَ تناغماً مع اللون الذي يختلف عن لونها...، وإذا كان الأمر على هذا النحو فالأدب الإسلامي - بلا شكّ - على عتباتِ مرحلة مهمّة، من شأنها إنعاشُ كثيرٍ من أهدافه التي عطّلتها عزلة الرابطة منذ سبعة وعشرين عاماً، ومن شأنها كذلك إدراجُ (إسلامية الأدب) تحت الحوار التصحيحي الذي مسّ قيماً أكثر أهميةً، وأشياء أكثر جلالاً..، ومن شأنها أيضاً مساءلة أعضاء هذه الرابطة عن كلّ شيء، كما نفعل مع أعضاء مجالس أنديتنا الأدبية ...
في البيان (المنشور في الثقافية : 15-12-2011م) شكرت الرابطةُ صحيفةَ الجزيرة؛ لأنها فتحت صفحاتها للحوار، وعبّرت عن مقالاتي ب « التفاعل الإيجابي مع موضوع الأدب الإسلامي «، و» الحوار الهادف البنّاء «، ولم تقف في البيان عند هذا الحدّ، بل تجاوزته إلى قبول المقترح الذي ختمتُ به مقالتي الثالثة، والترحيب بتضييف الأدباء الخمسة الذين طرحتُ أسماءَهم...، ووضعت لهذا التضييف إطاراً زمنياً قريباً، ألا وهو « الموسم الثقافي 1432 – 1433ه».
نقاط أربع تضمّنها البيان، لا يمكن النظر إليها إلا على أنها فتحٌ مهمّ، يجب على كلِّ الذين تموقفوا من الحالة التي استقرّ عليها الأدب الإسلامي، أو من وضع الرابطة نفسِها، أن يستغلّوه لصالح رؤاهم الجديدة...، وإنني أستغلُّ هنا ولادته المفاجئة، فأدعو زملائي في هذه المجلة الشائقة، والزملاءَ في الملاحق الثقافية كلِّها، إلى ردّ التحية عليه بحركة نقدية تقويمية جادّة، تستهدف مفهومَ الرابطة للأدب الإسلامي، وأهدافَها، ومبادئَها، وتنظيمَها، وأنشطتَها، ومنجزَها الأدبي والنقدي...، وإنني أستأذن الجميعَ في أن أفتتح هذه الحركة بالنقاط الآتية:
أولاً: على الرابطة وهي تدشّن هذه المرحلة الجديدة (مرحلة الحوار) أن تلغيَ الثنائيات التي بنت عليها عملياتِ التصنيف والتموقف، فعزلت بها جيلاً أو جيلين من أبناء هذا الوطن عن أدباء كبار، رسموا بكلماتهم الجميلة آمالنا وآلامنا ...
عليها أن تدخلَ هذه المرحلة بعقلية منفتحة، تؤمن بالتعدّدية، وبنسبية الحقيقة، وبأنّ أدباءَ هذا الوطن ونقّادَه – رغم اختلافاتهم – متساوون في الانتماء إلى الدين، واللغة، والوطن...، وأنّ مبادئ الأدب الإسلامي، وأهداف الرابطة، لا تعطي أحداً من أعضاء الرابطة الحقَّ في أن يتجاوزَ وظيفتيها الأساسيتين (الإبداع والنقد الأدبي) إلى تزكية أحد أو إدانته في أيّ من هذه الحقول الثلاثة...
ثانياً: على الرابطة أيضاً أن توسِّعَ مفهومَ الإسلامية في الأدب، وأن تغيّرَ في هذا المفهوم من جنس أدبي إلى آخر، ومن شكل إلى شكل داخل الجنس الواحد، انطلاقاً من الفروق البنائية بين أشكال الجنس الواحد، ثم بين الأجناس الأدبية المختلفة، وانطلاقاً من السمات والخصائص التي تميّز الأشكال المتخلِّقة في رحم الحداثة (كالقصة والرواية) من الأشكال التقليدية المعروفة ...
وعليها - فوق هذا - أن تستحضرَ عند مراجعتها مفهوم الأدب الإسلامي الحركةَ التصحيحيةَ التي شهدتها خطاباتنا (الشرعية، والفكرية، والثقافية، والأدبية) في الألفية الثالثة، وأن تدخلَ معنا ومعها شراكةً فاعلة ...، تثبت من خلالها أنّ خطابَ الرابطة جزءٌ من هذه الخطابات المهمّة، يتأثر بها، ويؤثِّر فيها، وأنه لصيقٌ بهذا الوطن، يفيد منه الأفكارَ والقيمَ وليس المال فحسب !!
ثالثاً : على الرابطة أن تدخل هذه المرحلة بعقلية تؤمن بأنها أمام مشروع جديد، نابع من حاجة الرابطة إلى التطوير والتجديد، وليس من تخوّفها من الأثر الذي يخلِّفه النقد الجادّ...، وعليها - في هذا السياق - أن تتفاعل مع الحوار وما يتضمنه من نقد، تفاعلاً إيجابياً، يولّد الكثيرَ من الأفكار القابلة للتطبيق، ولا تكتفي بالاستماع إلى الرأي الآخر؛ ذلك أنّ هناك فرقاً كبيراً بين قبول النقد وتقبّله (كما يقول الاجتماعيون).
بالحضور الدائم لهذه الفكرة في ذهنية مسؤولي الرابطة، وباقتناعهم بها مخرجاً للأدب الإسلامي من أزمته الحالية، سيجدُّ بهم السيرُ إلى المختلِف، وستطيبُ نفوسُهم بتعدّد الألوان واختلاف الأذواق، وسيتجاوزون بثقة كبيرة الخمسةَ الذين اقترحتُهم إلى خمسين، والخمسين إلى مئة، وسيجدون أنفسَهم شيئاً فشيئاً جزءاً من الحركة الأدبية والنقدية والثقافية التي تشهدها بلادُنا...
رابعاً : أدعو مسؤولي الرابطة إلى مراجعة نظامها الإداري، ودعمه ببنود أو فقرات جديدة، تكفل تداولَ المناصبِ الإداريةِ المهمّة، والمسؤولياتِ النافذة، بين أعضاء الرابطة، وتضمنُ كسرَ الاحتكار الذي أفضى بالأدب الإسلامي إلى شيء من الجمود...، وفتحَ مساقات واسعة للدماء الجديدة!!
وفي هذا السياق أدعو مسؤوليها إلى الاستماع إلى القيادات الشابة، التي تولّت مسؤوليات محدودة في الرابطة...، ولقد اقترحتُ اسمَ الصديق العزيز د.خليفة بن عربي بوصفه مشرفاً على مكتب الرابطة في البحرين؛ ليكون تضييفه نقطة الانطلاقة في هذا المستوى من الحوار، ولعلّ الكلمة التي ألقاها في حفل إشهار جمعية الأدب الإسلامي في البحرين تشفّ عن جزء من النقد الضمنيّ الخجول، الذي يحمله جيل جديد من أعضاء الرابطة، ولم يجدوا من القنوات والسياقات ما يسمح لهم وله بالعبور دون منغّصات أو مقوِّضات...
إنّ صلتي ببعض أعضاء الرابطة، كشفت لي حجمَ القلق الذي ينتابهم إزاء مستقبل الأدب الإسلامي، وشعورهم بالجمود وسط عالم تتحرك فيه الذوات والقيم والأشياء...، لقد انتفضت الأندية الأدبية، فتغيرت مجالسُ إداراتها، ثم أصبحت مجالس منتخبة، ورأينا تجديداً لا بأس به على مستوى أنشطتها المنبرية والطباعية، وعلى مستوى تنظيم الملتقيات والمؤتمرات أيضاً...، في حين ظلّت الرابطة تراوح مكانها، وتتهم أطرافاً، أو حالاتٍ، بعرقلة مشروعها، والحيلولة بينها وبين ما تتغياه، وتطمح إليه...
خامساً : على الرابطة في هذه المرحلة أن تفتح مجالا للتنوّع من الداخل، فتسمح بالاختلاف في كلّ شيء، وتعطي أعضاء الرابطة (ومن في حكمهم) حرية اتخاذ المواقف والآراء، وعدم التضييق عليهم باستخدام الوجاهة أو النصيحة، أو محاربتهم بأيّ شكل من الأشكال...، وأن تتجنّبَ ما أطلق عليه (مأمون جرار) النقدَ الصامت، أو النقدَ التسويقي، الذي يذهب بعيدا في تلميع الذوات، وتسويق المنجز الأدبي المهترئ من بوّابة (الالتزام بالشريعة الإسلامية)...
وأخيراً، هذه خمس نقاط، أضعها على طاولة مسؤولي الرابطة احتفالا بالبيان الجميل؛ وأرجو أن تحظى منهم بنقاش جادّ لا يستثني ذاتاً، ولا يحترز من فكرة...، وأذكِّرهم - صادقاً - بأنّ من حقِّ الأدب الإسلامي عليهم أن يخرجوا به من حالة الدوران الإبداعي والنقدي إلى حالة من الامتداد، يشعر معه المنتمي إليه أنه جزء متصل بالكيانات الأدبية في بلادنا، وليس جزءا منفصلاً منها، أو في حالة انقطاع عنها...
الرياض
Alrafai16@hotmail.com