Culture Magazine Thursday  22/12/2011 G Issue 357
فضاءات
الخميس 27 ,محرم 1433   العدد  357
 
الوسطية الثقافية والولاية الناعمة لوحدة التصور -1-
سهام القحطاني

التوافق هو الأصل في التكامل الفكري لا الصراع، أو هكذا أعتقد.

لم يجبل الإنسان على التيارية أو الحزبية رغم فطرية الانتماء إلى دائرة جماعية يتميز بها ورغم ميله إلى التقسيم إلى سلالات ثقافية تُتيح له خاصية التنوع، وعندما أقول لم يجبل فأنا أفرق بين الأصل والطارئ وليس الغريزة والمكتسب.

فالأصل أن التعددية تُوجب التنوع، والطارئ أن التعددية تجلب الصراع والفناء. والغريزة تقوم على كل ما يحفظ للإنسان نوعه وتكاثره، والمكتسب يقوم على كل ما يضمن للإنسان الحق والدور والمسئولية وتكافؤ الفرص في العدالة والديمقراطية والحرية. فالقيمة الكبرى للتنوع هي التعارف وليست القطبية، والقيمة الكبرى للتعددية هي الإضافة وليست الإقصاء، وكلاهما ضامن للتعايش الفكري السلمي في ضوء الاختلاف الحضاري.

ولن يتحقق هذه التعارف والإضافة في ظل المحافظة على حق التنوع والتعددية إلا ضمن «توافقية الوسطية الثقافية» و»الولاية الناعمة» لوحدة التصور المُنتَج من خلالها.

وغير صحيح أن لا وسطية ثقافية في ظل «الثنائيات»، إنما لا وسطية ثقافية في ظل «صراع الثنائيات».

فهل هناك فرق بين الثنائيات وصراع الثنائيات؟

نعم، هناك فرق بينهما؛ فالأصل في الثنائيات التعدد والتنوع وليس الصراع ومتى ما تحولت إلى صراع فقد مالت إلى منحنى القطبية والتطرف ونزعة الأحادية ومصادرة الاعتراف بحق الآخر في التعدد والتنوع وبالتعمد في فرض نوعية وحدة الاعتقاد الجمعي لتحديد كفاية اقتناع لطرف دون طرف لحصر علاقات التأثر والتأثير، بما يعني تجاوزها للأصل الموجِب لوجودها وهو التعددية والتنوع.

وتجاوز الأصل يستوجب الصراع المبني على نوعية القيمة ونوعية الحكم وهنا تخرج الثنائيات من مقصدها الرئيس التعدد والتنوع إلى مقصد تقويمي واصطفائي وقطبي مجدول للشيء وضده، الخير والشر والنور والظلام، القوة والضعف، وأن البقاء للأقوى، هذه القيمة التطرفية التي تُذيب حق الثنائيات في تشكيل الخطاب الثقافي المعتمد على تعدد كفايات الاقتناع وتداولية قيم الخطاب الثقافي، وتوجِب أحادية الكفاية وتداولية قيم الخطاب الثقافي المنحاز لكفاية وخطاب مخصوصين.

وهناك إشكاليتان كبرى مسببة للصراع بين الثنائيات؛ إشكالية التنازع على تشريع مضمون كليات الحقائق «الأفكار والمفاهيم وفتاوى التطبيق»، وإشكالية التنازع على وحدة التصور العلاقات والإجراءات. وهما إشكاليتان لأنهما تتحكمان في «ولاية وحدة التصور» الذي ينبني عليها العقل النسقي للمجتمع.

وتلك الإشكاليتان وفق «خاصية ملكية الولاية» هما مصدرا الخلاف على مضمون تفاصيل الحقائق، والخلاف على إنتاج دلالات المفاهيم والخلاف على فقهنة أحكام فتاوى التطبيق، والخلاف على قوننة إجراءات الممارسة لتمثيل الواقع من خلال وحدة الاقتناع الجمعي وكفاية الاقتناع ونصرة «ولاية كفاية اقتناع» لطرف دون طرف في صراع الثنائيات.

وبما أن وحدة التصور هي الكافلة الثقافية لكفاية الاقتناع المعبرة عن «دليل الغلبة»، فإن صراع الثنائيات يوجز في تداولية قيمة وحدة الخطاب باعتبار قيمة الخطاب هو الممثل لأثر ولاية وحدة التصور.

وبذلك يُدلل على مربع الخلاف السابق الذي هو مصدر التنازع على ملكية أحقية وحدة التصور الاجتماعي التي من خلالها يمثل الواقع وتُشرع تطبيقاته ونسقياته من خلال الخطاب الثقافي.

فصراع الثنائيات يُدلل بدوره من خلال كفاية القيمة التداولية للخطاب الثقافي، ليصبح شاهدا للكفاءة والاستحقاق بالنسبة «للغالب»، ودليل إدانة للمساءلة في ذات الوقت بالنسبة «للمغلوب».

وهكذا يصبح خطاب كفاية الاقتناع لوحدة تصور طرفي الثنائية ذات خاصية مزدوجة فهو شاهد كفاءة واستحقاق بالنسبة للذات الغالبة ودليل إدانة ومساءلة بالنسبة للذات المغلوبة.

في حين يصبح خطاب كفاية الاقتناع المتعلق بالذات المغلوبة دليل نقص وعدم كفاءة عند الذات الغالبة، ودليل على التمييز والإقصائية عند الذات المغلوبة.

لكن العقل المعرفي يميل إلى أن «غلبة طرف من طرفي الثنائية» وتراجع الطرف الآخر، وجماهيرية «كفاية اقتناع» لطرف من طرفي الثنائية مقابل أقلية الطرف الآخر، هي «سنة ثقافية». لا تتعلق بضعف أو قوة طرف من الطرفين أو قيمته على مستوى أصول الثنائيات، فاستغلال ناتج المفاضلة للتشكيك بقيمة أصول الطرف الخاسر في الثنائية يتنافى مع أصل وحكمة عملية التفاضل.

ولذلك فخسارة «الثقافة غير المحافظة» في الانتخابات الأدبية وفوز «الثقافة المحافظة»، لا تعني التشكيك في قيمة أصول «الثقافة غير المحافظة» بل في إستراتيجيتها كما لا تعني «قيمة إضافية» لأصول «الثقافة المحافظة» بل قيمة إضافية في إستراتيجيتها.

وبالتالي فناتج المفاضلة يجب ألا يخضع لأصول الثنائية، بل يخضع للظرف والإمكانية ونوع المستقِبل ومضمون الرسالة وإستراتيجية كفاية الاقتناع وكفاءة تمثيل وحدة التصور وجودة التكافؤ بين كفاية الاقتناع وكفاءة تمثيل وحدة التصور وقاعدات العقل الجماهيري. وهو ما يعني مدى توافر تفهم طرفا الثنائية «للقاعدة الذهنية للجمهور» و»القاعدة النفسية للجمهور» واستيعاب «قاعدة النموذج الشعبي» الذي يمثل الجمهور، و»تمثيل قاعدة النموذج الواقعي» الذي يتحكم في كفاية اقتناع الجمهور ويُنتج كفاءة تمثيل وحدة التصور التي تنتصر لولاية طرف من طرفي الثنائية على الآخر.

جدة * sehama71@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة