Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
فضاءات
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
الهوية في زمن العولمة
عبدالله السعوي

في تلك اللحظة المرحلية التي نعيشها والتي تعج بألوان من تقنيات البث والاتصال وتمظرات العالم الافتراضي وتعارض المصالح وصدام الثقافات - صدام الثقافات وليس الحضارات، حيث لم يعد ثمة حضارة الآن إلا الحضارة الغربية - وفي عصرغياب توازن القوى لصالح القطب الواحد المتفرد بالسيطرة تبيت المحافظة على ملامح الهوية أمام تحد عصيب. المنسلخ من ضوابط هويته أسهل ما عليه تغيير جلده والاكتساء من غير نسيجه والتلون على حسب مقتضيات اللحظة.

في هذا المنعطف التاريخي المفصلي لم نعد في معزل عن العالم وليس ثمة من خيار أمامنا إلا التواصل مع الثقافات المغايرة فالتعالق والتقارض والتناص لا مناص منه وليس بالمُكنة اعتماد سواه ولكن لابد أيضاً من استلهام الشرط القيمي ومراعاة متطلبات الهوية التي تضمن لوناً من الحضور المشرق والندية على المستويات كافة.

إن الحصيف الكيّس يعتز بهويته ولذا فهو يختار الانفتاح مع التمنع على الذوبان, ولا ينكمش بل يتداخل محتفظاً بمعالمه البنيوية. والأمة المعطاءة تدلف ميدان التنافس مستصحبة لمعالم تميزها فهي لا تخلد نحو السكونية التي تعرضها للتهميش وفي المقابل لا تندفع على النحو المفرط الذي يمنيها بالهزائم المتلاحقة.

في عصر التناسل القنواتي وانهمار الفضاء والتهاب التنافس في حلبة السياق العالمي ليس ثمة مكان لمن يذعن للنمطية ويرضى من اللحم بعظم الرقبة ولا لمن يتجرد من هويته ويتنكر لتاريخه ويتعاطى مع الثابت التراثي بحسبه سلطة ماضوية يجب ألا تتجاوز وعاءها المرحلي وبالتالي العمل على إزاحته عن المشهد العملي واختزال صور تجسيده!.

لا يتحقق التنعم بصور التألق الحضاري إلا لذلك العقل العام الذي يأخذ ببواعث النهوض فيستصحب المعطى القيمي وينضبط بإملاءات مقتضياته فينفتح على العالم ويدلف في حالات من التبادل المصلحي الفاعل. إنه لا يسوغ أن نختلف في محورية الانفتاح وإنما السائغ هو الاختلاف في مستوى ذلك الانفتاح ودرجة عمقه والاختلاف حول الآليات والأولويات. حضارة الآخر لاشك تنطوي على ما يحدونا نحو الإقدام والارتشاف, وعلى ما يحثنا على الإحجام وتجافي الامتياح، وهي تتوفر على منظومة من العناصر المادية والمعنوية التي من الخطل القول بعدم حاجتنا الماسة لمفرداتها ولن تؤتي الذات الكلية إلا من ذلك التوجه الذي يؤثرالمفاصلة المطلقة والانزواء الهروبي أو من ذلك التوجه الذي استشرى لديه ضرب من القابلية للانصهار فذاب في الإطارالمغاير وفقد بذلك أهلية الوجود الاستقلالي.

وحاصل القول: إن الهوية تواجه تحدياً خطيراً من ثقافة العولمة المنبثقة من الحداثة المادية والتي تعمل على توليد حالة انفصامية في شخصية المجتمع وبنيته الأساس تتجلى إفرازات ذلك في ظاهرة التباهي بالتشبع بلغة الآخر ولباسه وهندامه وتقمص كافة حركاته واستنساخ أدق تفاصيل تجربته واستلهام معالم روحه من قِبل جيل استفحلت لديه القابلية للاختراق وذبول الشخصية الثقافية كناتج حتمي للانفصال عن مصادر التلقي والاغتراب عن مناهج الاستدلال المعتبرة.

Abdalla_2015@hotmail.com بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة