بعض الأيام تكون (باينه) وواضحة المعالم من بدايتها، كان يوماً مغيراً والشمس تتعامد في كبد السماء وهي تكاد أن تختفي وعامر نهض من نومه مختلط المزاج فقال: تسألني يا صاحبي عن السفر والضوء وحكايات المساء وأنا الآن مشغول بالعصافير واحتمالات المواسم تفزعني أنباء الزنابق الطازجة تحت أمطار اللهب فلا تمر لحظة أو ينكسر في قلبي الزجاج ويتطاير غبار الصحراء في حلقي!
لا بأس أحاول أن أتذكر سافرت للمرة الأولى وفي دمي رائحة الخوف وأعاصير الشباب يومها، حذروني من المدن المراوغة وطيور الليل وعلموني كيف أبدأ الحديث عن الجو وفظاعة الشرق والإفلات من تفاصيل الأشياء الخطرة، ودخلت الدراسة وأغلقت أبوابي وبدأت أحدث الكتب التي عرفت أسرار الناس وبدأت لعبة الحياة شرعت نوافذي للطيور الأليفة والأسماك الملونة والهواء والشمس المحرقة.
كان المساء يرتعش تحت خيوط المطر وحين كشفت غطاء السرير فوجئت بطائري الجميل يتغلغل في طوايا الدفء والبراءة، أخذته بين كفي فسرى نبضه الحار في جسدي وتسلق على أصابعي كالحرير ومنذ تلك الحظة اكتشفت سر احتفاء هذه المدينة والطيور الصغيرة انها العزاء الوحيد في عالم يطارد السراب!
وعلى خير انتظار زارني صديقي في وقت كنت فيه قد فقدت طائري الجميل لمح على وجهي آثار الوجد والكآبة قلت له: كان لدي طائر جميل وديع يؤنسني في هذه الغربة الموحشة وقد فقدته وربما إلى الأبد!
ضحك صديقي من سذاجتي قائلاً: ماذا؟ كل هذا الحزن من أجل طائر. كان صديقي على حق فهو لم يجرب الحياء مع طائر أليف في بلاد غريبة كل ما فيها يعض ويخدش حتى النزيف، ولم يعرف أن الطائر هو المدينة التي في نفسي تعيش دوما وهو الأهل الذين فقدوا في الميناء المعطل على ضفاف البحر، إنها مجرد حومة فكر وحلم عابر وقد تبخر كل شيء مع طلوع الشمس ووجد نفسه تتقاذفه أمواج هذه الحياء الهادرة؟!
الرياض