رغم الحديث الكبير عن المرأة وحقوقها، ورغم الصخب الذي يلتفّ كالثعبان على قضاياها، تراءى لنا إنجاز نورة الشملان وأخواتها من بعيد، ثم مرّ على حين غفلة منا، دون أن نستوقفَه، أو نلحقَ به، ودون أن نصفقَ لموكبه الجليل الجليل، أو نرقصَ على آثاره دقيقةً أو دقيقتين...
عشرات الأعمدة الصحفية التي كانت تنبض بحبِّ المرأة، والخوفِ عليها، والدفاعِ عنها، والاحتفالِ بها، صمتت إزاءَ منجز (نورة)، ولم تتفضل عليه بحرف واحد من أحرفها الضائعة في الهواء...
لماذا؟ لست أدري!!
لقد كان إنجاز (نورة) مختلفاً بحق، وأحسبه كان دليلاً قاطعاً على قدرات المرأة الإدارية، وحسب (نورة) من الفضل أنها ابتدأت مشروعها بصمت يوم أن بدأ غيرها مشاريعهم بالصخب، وختمته بالصمت ذاته يوم أن ختموها بصخب فوق الصخب...
لم تواكب بعضُ صحفنا إنجازَها بما يغني ويقني؛ لأنها شُغِلَتْ بإنجازاتٍ أقلّ، ولم تكن قنواتنا في الموعد منذ اللحظة الأولى؛ لأنها كانت على ارتباط بمواعيد أدنى، ولم يكن كتابنا المنافحون عن المرأة على قدر المسؤولية؛ لأن للمرأة التي يدافعون عنها مجالات محددة، ليس من بينها مجال (نورة) وأخواتها...، ورغم هذه الصور من التخاذل ظلت (نورة) حتى الدقيقة الأخيرة من زمن الندوة، تصارع العقبات واحدة تلو الأخرى، وتتجاوز ما تعملق منها بهدوء دونه السكون والسكوت...
لم تطلق (نورة) كذبة لتسحب الأضواء كما يفعل الدخلاء على الثقافة، ولم تشاغب مؤسسة ولا صحيفة لتدخل كلَّ بيت...، ويوم أنْ سقط اسمُها سهواً من تعليق بعثت به إلى إحدى صحفنا، لم تفعلْ أكثرَ من إعادته بهدوء، كما يعيد أحدُنا إلى جيبه ورقةً أو مفتاحاً...
في مكالمة عابرة حدثتني (نورة) على عجل عن بعض العقبات التي اعترضتها، ولولا أنّ الشرطَ الأخلاقي يحرِّم عليّ نقلَ ما سمعته منها دون إذنها لزيّنت لكم قصيدةً مترعةً بالشجن...
تخيلوا، لقد استعانت بكلّ أحد في سبيل إنجاح هذه الندوة، من أوّل المسؤولين في الجامعة إلى آخر أولادها في المنزل، ولم تترك وسيلة إلا وركبتها إلى هذه القمة الخضراء، وإلى جانب نورة وقفت زميلاتها، وكنّ - أيضاً - عزائمَ على قدر عزمها، تعمل كلُّ واحدةٍ منهنّ متجرّدةً من ذاتها، ومتطلعةً إلى الهمّ المشترك...، وحين تحدثت د.ميساء خواجا إلى القناة الثقافية عن الندوة، ألغتْ نفسها تماماً، وأخذت تتحدث باسم نورة وزميلاتها...، فجأةً صارت ورقةً تحمل الكلماتِ دون أن تتبناها، في صورة تعدُّ ضرباً من ضروب المثالية الحالمة.
من نورة إلى أخوات نورة - كما يعبِّر الغذامي - مسافةٌ قصيرةٌ تقع في منتصفها ندوةٌ نقدية أدبية، تفوق - من وجهة نظري - ندوات أنديتنا الأدبية كلِّها، فالأسماء تمّ انتقاؤها بعناية كبيرة، وعناوين البحوث تقطر جدةً وجدلاً، والتنظيم بدا جميلاً جميلاً جميلاً...
أن تكون المرأةُ أقلَّ حرية من الرجل في مجتمعاتنا فهذا شيء سمعناه وشهدناه ووعيناه، وأن تكون مجالات حركتها محدودة فهذا شيء آمنّا به، لكن أن تقدم إنجازاً يفوق إنجاز الرجل فهذا شيء جديد، وغريب، واستثناء...
لقد أفضت الدراسات الواعية إلى تأثير البنى الواقعية في العملية الإدارية والثقافية، لكنّ هذه الدراسات لم تستثنِ ذواتاً تجعل من الثقب الصغير نافذة واسعة واسعة، وتحتفل بقطرة الماء كما يحتفل أحدنا بنهر يصبُّ في منبعه...، وهكذا (نورة) وأخواتها، تجاوزن البنى التي تكبل مقولة المرأة قبل المرأة، وتقيّد مطامح شيخ القبيلة فضلاً عن صعاليكها، وصنعن من آمالهنّ ما بلغهنّ آخر نقطة وصلت إليها خيوط الضوء المحدودة، وحين انتهت الندوة انتهى كلّ شيء بالنسبة إليهنّ، فالغاية الندوة وليس شيء غير الندوة...
يوم أن اعتلت المرأة الخيلَ والصهيلَ أبرزها إعلامنا، وقال: أول امرأة سعودية، ويوم أن قادت الطائرة تعلق إعلامنا بجناحيها، وقال: أول امرأة سعودية، ما باله تقاعس عن أولية نورة وهي المرأة السعودية الأولى التي تدير ندوة جامعية بهذا الحجم، داخل حرم جامعي مهيب؟
سؤال تضعنا إجابته الصادقة أمام مرآة نظيفة، تبرز ملامحنا بدقة متناهية، مجردة من النقوش والرتوش.
وفي سياق الحديث عن نورة ومنجزها وأخواتها، يجب أن نذكر رئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب الأستاذ الدكتور صالح بن معيض الغامدي، وزملاءه في القسم، حيث إنهم تجردوا من القوامة التي يعتنقها بعض المثقفين في بيت الثقافة، واحترموا المقترح الذي قدمته نورة، فأجازوه وأجازوها، واشترطوا عليها أن تديره مع زميلاتها في القسم النسائي، ولم يستثمروا نجاحه لأنفسهم، ولم يحشروا أسماءهم في محطات العمل كما يفعل زيد وعمرو.
هذه الندوة - من وجهة نظري - مدرسة متكاملة، كل أعضائها كانوا معلمين، والشقي من يمر بها ولا يتعلم...، والشقاء الأكبر الأكبر أن نتعلم ثم لا ينجح منا أحد!!
ماذا لو كانت نورة الشملان ترأس نادياً أدبياً، وماذا لو كانت (أخواتها) أعضاء في مجلس الإدارة؟
سؤال أتركه مفتوحاً؛ خشيةَ أن يغضبَ عليّ (إخوةُ) نورة!!
Alrafai16@hotmail.com
الرياض