التنوير هو خروج الإنسان من قصوره الذي اقترفه في حق نفسه وهذا القصور هو عجزه عن استخدام عقله إلا بتوجيه من إنسان آخر. وتبع الذنب في هذا القصور على الإنسان نفسه عندما لا يكون السبب فيه هؤلاء الافتقار إلى العقل بغير توجيه من إنسان آخر. لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك! ذلك هو شعار التنوير» (1).
بهذا الاستهلال افتتح (أمانويل كانت) سنة 1784م مقاله المشهور (ما هو التنوير؟) وقبل (كانت) وبعده شرقًا وغربًا تحدث الفلاسفة وعلماء الدين وغيرهم في مختلف حقول المعرفة والفن والأدب عن هذا العقل، وكيف يسيرّ حياة الناس ويؤثر في الكون، وكيف يجب أن يحقق التأثير المطلوب.
لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك، هذه الجملة التي تحيل ضمنًا إلى الاعتقاد بأن ثمة خوفاً ورهاباً من استخدام العقل ركونًا إلى الكسل والجبن والارتياح لمبدأ وصاية الآخرين الذين يقومون بالنيابة عن الشخص لترتيب أموره وسن القوانين المؤثرة.
لا اعتراض لدي حول العقل واستخدامه، أو حتى دعوة (كانت) لكسر طوق الخوف من استخدامه. لكن لدي شك كبير في أن العقل الذي تحدث عنه أرسطو والغزالي وهيجل وغيرهم واحد، فكل له عقله المعرفي الخاص الذي عاش معه وبه وتصارع مع نوبات الرهاب من استخدامه. وظهرت لنا، نحن الأجيال المتلاحقة، كدمات ذلك الهلع أو اليقين والثقة في السِفْر المعرفي الذي وصل إلينا، ومازال يتواصل هديره مع اجتهادات منظرين معاصرين من كل الحقول حول هذا الذي يسمونه عقلاً.. أقول ليس عندي أي تشكك أو اعتراض مع هذه الكدمات والشقوق والسوءات؛ ولكن لدي عددًا من التساؤلات: لو قيض ل(كانت) وهو يرى عصر التنوير وما آل إليه وكيف قُطفت زهراته وقُذفت في أيادي (حتى لا أقول عقول) الحكام وقُطّاع طرق العقل من أرباب السياسة والاقتصاد، وما آل إليه أمر الكرة الأرضية وما صنعه بها علماؤها وأطباؤها ومبدعوها أيمكن لو قيض ل(كانت) أن يشهد ذلك ترى هل كان سيشجعنا على استخدام العقل كضروره أنطولوجية أولية؟ أم أنه كان سيعتكف داخل عقله ليفكر هل استخدام هذا النوع من العقول ضرر أم ضرورة؟ ولربما صرخ (في بعض الحالات خاصة): خطر! فضلاً لا تستخدم هذا العقل!!
***
- مقالة لتكن لديك الشجاعة لاستخدام عقلك! لـ (كرستيان جراف فونكروكون) «مجلة فكر وفن عدد 42 سنة 1985»ص 8.
***
لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7845» ثم أرسلها إلى الكود 82244
الرياضRafef_fa@maktoob.com