اضطر الروائي البرازيلي الشهير باولو كويلو مؤخرا إلى الرد على منتقديه الذين يصفون لغته بأنها بسيطة مباشرة بقوله: باستطاعتي أن أؤلف كتابا معقدا جديدا كل أسبوع، لكنني أؤثر بدلا من ذلك أن أؤلف كتابا بسيطا ومباشرا كل عامين، كتاب بلا زخرفات أدبية ويخترق قلوب الناس، المعقد لن يفهمه أحد، إلا أن الأغبياء سوف يمتلكهم الانطباع بأنه عمل عبقري لأنهم عاجزون عن فهمه. وأضاف: وقد يبدو أسلوبي سطحيا لأني أتقشف في لغتي إلى أقصي الحدود، لكنني أفعل ذلك كي أتيح للقارئ أن يستثمر خياله معي، أحاول أن أستفزه، وأحرضه، أهزه من جموده ومن موقعه، أي موقع المراقب الحيادي غير المتورط. باختصار فإن وراء كل تعقيد فراغا مرعبا يتوهمه الأغبياء عملا عبقريا.
صحيح أن كلام الروائي البرازيلي جميل ويختصر كلاما كثيرا اليوم، إلا أن كلامه هو تذكير بأقوال كتّاب كبار بحّت أصواتهم أمثال توليستوي وهم يقولون: «فكّر كإنسان حكيم، واكتب كإنسان بسيط»!
بل أتذكر أنني قرأت يوما لفيلسوف يقول: «هناك كتّاب يعقّدون المبسّط، وهنّاك كتّاب يبسّطون المعقّد».
كل شيء اليوم به بسيط ومعقّد؛ فالبساطة والتعقيد دخلت في الطعام والسفر والطب والتكنولوجيا والمشاعر الإنسانية والتنزه ومشاهدة التلفزيون واختيار السيارة واقتناء هاتف نقال..!
لكن البساطة تغيرت الآن، والمعقّد أصبح مختلفا.
فمثلا كانت البساطة تعني أن يلبس الناس أي شيء ويأكلوا ما يتوافر لهم، ويشموا الهواء الطلق.. اليوم الإنسان البسيط يطلب ملابس فاخرة بصناعة «بسيطة»، ويريد أن يأكل طعام السلاطين بأسعار رخيصة!
أما المعقدون فقد زادوا في التعقيد؛ فلا شيء يرضيهم، ولا حاجة تعجبهم، ولا مكان يؤنسهم، ولا أحد يملأ عيونهم! فليست الكتابة وحدها المعقدة؛ بل حتى المشاعر الإنسانية كذلك، صار التواصل أيضا صعبا. وبعض البشر اليوم يقولون لك بصراحة: والله لم نعد نعرف ماذا نأكل وماذا نشرب وماذا نقرأ ومن نصادق ومن نعادي؟
كان التعقيد في حياتنا سابقا كالبساطة الآن، صعبة في زمانها، بسيطة الآن لو تذكرناها!
وعلى نمط الكتابة نفسه أظن أن هناك بشرا يعقّدون المبسّط، وبشرا آخرين يبسّطون المعقّد مهما كان تعقيده. هناك من يفك العقد، وهناك متخصصون في ربطها!
albassamk@hotmail.com
المنامة