Culture Magazine Thursday  13/05/2010 G Issue 310
أوراق
الخميس 29 ,جمادى الاولى 1431   العدد  310
 
ياء المبدعين!

على الرغم من القُبَل والابتسامات التي يُجمّل بها المشتغلون في الثقافة عموماً وفي الإبداع خصوصاً علاقاتهم المتبادلة أمام الأضواء, إلا أن ظِلّ هذه العلاقات يشهد على سواد في القلوب أو ندوب, عن قولٍ معلن هنا وكلمة مكتوبة هناك. فما الذي يجعل العلاقات مشحونة بالسلب بين المشتغلين في حقول الإبداع؟ هل التنافس على الحق أم المصلحة أم نيل الاعتراف أم الرغبة في التفرّد والوحدانية؟ أم أنّ المشكلة وما فيها تتمثل في خصوصية بناء الشخصية (المبدعة), وفي خصوصية العملية (الإبداعية) بالذات, خصوصيةً تجعل المُنتَج الإبداعي جزءا أصيلا من مُنتِجه. وبالتالي يغدو تناول هذا المنتج, بالنسبة لصاحبه, بمثابة تناول لشخصيته, بل لوجوده وكينونته؟ فإذا جاء إيجابيا كان الأمر حسنا وإن جاء سلبيا تولّدت الضغينة, أو نبتت بذرة التنافر.

ثمّة التحام (مَرَضي) يسود العلاقة بين العمل الإبداعي وصاحبه, يجعل من المستحيل التعبير عن انطباع سلبي عن عمل ما, ناهيك بتوجيه نقد سلبي إليه, دون انتظار ردود تطاول صاحب القول.. ولا تفلح هنا محاولات الأخير القول بقراءةٍ تفصل بين المادة التي يعبّر عن رأيه فيها وبين صاحبها. فحجّة أنّ صاحب الرأي يطرح رأيه في القصة أو الرواية أو القصيدة أو اللوحة التشكيلية أو المسرحية أو التلفزيونية أو السينيمائية..وليس في صاحبها, لا تقنع مَن أصاب القول السلبي عمله! فالعمل- يقول صاحبه- ليس أي عمل, إنّما هو عمل(ي) أنا, وليس عملا كأي عمل, يمكن أن يخضع لمعايير جامدة, إنّما هو عملي الذي وضعتُ فيه قطفة من روحي. المشكلة, في (قطفة من الروح) لا يُسلّم صاحبها في حقّ أن تُرى على غير ما يراها.

فالعلّة, إذن, في (ياء) تُعبّر عن رغبة في تملّك مَرضي, شبيهة بتمسّك الأهل بحق مصاحبتهم أولادَهم إلى المدرسة والنادي والمتجر والشارع والسينما وسرير الأزواج والزوجات.. وكل مكان للدفاع عنهم وحمايتهم ممن قد يخطر بباله مدّ إصبعه أو لسانه صوبهم! في مثال الأهل, نكون أمام حالة خاصّة لا تقبل النظر إلى الولادة على أنّها إعلان انفصال أوّل. وفي الوقت الذي تقتضي فيه خصوصية بيولوجيا الإنسان إعلانا ثانيا مع الفطام وثالثا مع البلوغ, فإن خصوصية الثقافة تقول بقدرة الوليد على الحياة المستقلة من لحظة يصرخ فيها على صفحات الكتب أو المجلات أوالصحف أو الشاشات وصالات العرض. وأمّا من لا تُسمع صرخته عند ولادته فميت أو ناقص القدرة على الحياة.

وثمّة علّة أخرى, يجد فيها ركيزةً المتمسكون بفكرة قطفة الروح, بصرف النظر عمّا في الأخيرة من إبداع وفن, علّة تتمثل في صعوبة وضع معايير دقيقة للحكم على الأعمال الأدبية والفنّية. فلا تغيب, عن أيّة قراءة, الذائقة الشخصية التي تسمح باختلاف بين رأي وآخر في العمل نفسه يبلغ حد التناقض, مما يتيح لصاحب العمل وضع يده على الذاتية بوصفها مصدر كل قول سلبي. وأمّا الفرق بين من يصغي, مبتسماً, إلى قولٍ يحطّ من شأن عمله ومن يحتدم في وجه قائله, فلا يعود إلى فرق في الطبيعة بين هذا وذاك, إنّما إلى تدريب النفس على قبولِ أنّ الذي خرج من روحك إلى يديك ثم إلى الضوء بات ملكا للجميع ومن المضحك أن تقف حارسا على حدوده. وأمّا (الياء) فوعاء لا يصلح لحفظ الروح!

منذر بدر حلّوم
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة