الثقافية - بندر خليل
بعكس التوقعات، جاء الملتقى السنوي للمجلة العربية في دورته الحالية، مساء الاثنين الماضي، على صيغة مائدة للحوار المهني، حول ما يجب أن تكون عليه المجلة العربية في مستقبل الأيام وما لا يجب.
كان رئيس تحريرها الدكتور عثمان الصيني يجلس كما يجلس أي رئيس تحرير مع زملائه المحررين والعاملين معه في نفس المطبوعة الإعلامية، مطالبا الجميع أن يدلوا بآرائهم واقتراحاتهم حول تطوير عمل المجلة العربية وتحسين ما يمكن أو ما يجب تحسينه فيها. من الشكل إلى المضمون وحتى التوزيع نوقش خلال تلك الجلسة المفتوحة بمعنى الكلمة.
الكثير من الحاضرين لم يتوقعوا أن يتحوّل الاجتماع السنوي الذي تنظمه المجلة العربية وتحتفي خلاله بصدور عددها رقم 400، من اجتماع للاحتفاء بالإنجاز الذي يبدو في صدور العدد رقم 400، إلى اجتماع مهني واحترافي ومفتوح لجميع الرؤى والتطلعات. هناك من تحدث بوصفه ناقد إعلامي، وهناك من تحدث من منطلق مهنيّ، وهناك من تحدث بوصفه قارئ ومتابع قديم لهذه المجلة العريقة، وهناك من تحدث بصفته زميل مهنة..
أما الرئيس الافتراضي لذلك الاجتماع فقد كان مصغيا، ومحسنا في تجاوبه مع كل الرؤى، وصريحاً لأبعد الحدود.
حضر المناسبة أو اللقاء السنوي كما أسماه راعيه، بالإضافة للّجنة الاستشارية للمجلة العربية عددا من الإعلاميين والمثقفين، ومنهم الأساتذة والدكاترة: إبراهيم مفتاح وجاسر الجاسر ومنصور الحازمي وإبراهيم التركي وفالح العجمي وعبد الله العوشن وعبد الله السميح وبندر الهذال وخلف الحربي وخالد اليوسف وخالد الفرم وعبدالله ثقفان وآخرون ...
وقد بدأ الدكتور عثمان الحديث بإشارته إلى أنه لا يريد أن يتحول هذا اللقاء السنوي للمجلة العربية إلى حدث رسمي، لأنه فرصة ينتهزها لذكرى الـ400 عدد من المجلة، وليسأل الجميع: عن الكيفية التي يجب أن تسير عليها المجلة في السنوات القادمة؟
وقد فصّل قليلا في بداية اللقاء في الحديث عن آلية عمل المجلة العربية مقسما إياها في أربع وحدات، الأولى هي المجلة العادية التي يعرفها الجميع، ومن ضمنها سلاسل الكتب التي تعنى باللغة العربية والترجمة والريادة والمفاهيم بالإضافة إلى ثلاث سلاسل للأطفال من 6 - 16 سنة، والثانية هي موسوعة أطلس a-z المعرفية الشهيرة، والثالثة تتجسد في الموقع الإلكتروني وما يحتويه من قنوات معرفية ثقافية وإبداعية أدبية، أما الوحدة الرابعة فهي وحدة الدراسات، وستخرج أولى ثمرات هذه الوحدة قريبا باسم المجلة وستتناول في أول إصداراتها قضية القراءة الحرة، وهي من أهم القضايا الوطنية الثقافية في العصر الحاضر. بالإضافة إلى مشروعين دراسيين قادمين.
بعدها سأل الدكتور عثمان الجميع: ماذا يجب أن نفعل مستقبلاً؟
بدأ المداخلات الزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي قائلا إن المجلة العربية كغيرها من المطبوعات الإعلامية يعتورها مع الزمن ما يعتور غيرها، مضيفا أنه كان يرى في الدكتور عثمان الصيني إمكانات وطاقة صحفية تفوق طموحات المجلة العربية، لكنه فوجئ بالنقلة الكبيرة التي حدثت للمجلة على يده، مشيراً إلى أن المطبوعات التي تصدرها المجلة أكبر شهادة على نجاحها، إلا أنه يعتقد بأن ثمة إشكاليات تعانيها المجلة من حيث التوزيع داخل المملكة على وجه الخصوص، وقال «يجب أن توضع خطة محكّمة لتوزيع المجلة، كأن تخترق الجامعات والمدارس».
أما الأستاذ إبراهيم مفتاح فقد خالف الدكتور إبراهيم التركي ولم يخالفه في الوقت نفسه، فهذا الرجل الذي جاء كما يقول من مسافة على ثلاثة أبعاد هي :البر والبحر والجو، وافق على أن توزيع المجلة العربية ضئيل في الداخل إلا أنها مجلة لها من اسمها نصيب فهي عربية لكل العرب، مستشهدا على وصول نسب توزيعها في بلدان عربية كتونس واليمن إلى 90%. وهذه نسبة جيدة بطبيعة الحال، في زمن انصرف فيه الناس عن الورق إلى الإنترنت.
الأستاذ جاسر الجاسر من الوطن وصف ما يقوم به الدكتور عثمان الصيني من خلال المجلة العربية بأنه «صناعة إعلام»، وقال إنه يعتقد أن الدكتور عثمان نجح في جعل المجلة العربية مجلة رشيقة ومقروءة، مشبّها إياه بطبيب جراحة التجميل الذي يعيد العجائز إلى سن الصبا وزهو الشباب. مشيدا بتجربة الدكتور عثمان.
الدكتور خالد الفرم قال إن المجلة نجحت في التفعيل الإلكتروني، لكن سوق المجلات يتطلب إحداث تحولات كبيرة وشاملة في المطبوعات كي تحقق نجاحها، مثنياً على تجربة صحيفة الجزيرة في دخول الجامعات وهو أسلوب معتمد في الصحافة الغربية لدرجة توزيع الصحف بالمجان.
الكاتب في الزميلة عكاظ، الأستاذ خلف الحربي أكد أن هناك استعادة لروح الصحافة في المجلة العربية، التي - بحسب وصفه - أصبحت هي من تصدر المؤسسة الثقافية وليس العكس!
وقال الحربي إن توجه المجلة لإصدارات الأطفال دون أهداف ربحية واضحة، بالإضافة إلى دراساتها التي ستنشر مستقبلا وغيرها من المشاريع التي أصدرتها العربية أو تعمل على إصدارها يعطيها دور ثقافي مهم لدينا، وهو بالتأكيد دورٌ يحتاج إلى دعم وجهود مضاعفة. وأشار الحربي في ختام حديثه إلى ثقته في أن المجلة العربية ستوجد صوتا مختلفاً وسيكون لها تأثير في الداخل من خلال مشاريعها الرديفة. من جهته اقترح الدكتور فالح العجمي تغيير مسمى المجلة العربية إلى أي اسم آخر..
الدكتور عثمان الصيني بدأ في إجابته على المداخلات بقوله:
ليس لدينا أي مشاكل في التوزيع خارج البلاد، فنسبة البيع في مصر تصل إلى 60%، وفي تونس، جنوب تونس تحديداً، تصل إلى 90%، وفي اليمن إلى نسبة لا تقل عن 90%، وهذه الأرقام تجعلنا مطمئنين من ناحية التوزيع في الخارج، لكن مشكلة التوزيع الحقيقية تكمن في السعودية.
وأشار الدكتور عثمان إلى أن السبب قد يكون ربما في شركات التوزيع، الذي تعتبر هذه المطبوعة الثقافية من آخر اهتماماتها، إلا أنهم هم أيضا يشكون من بعض المكتبات التجارية التي يعمل بها من يجيد عرض مبيعاته كما يجب.
كما ذكر أن شركة التوزيع أيضا تزعم أن المجلات الثقافية عموما تعاني من سوء توزيع داخل المملكة، مشيراً إلى أن المجلة قد اتفقت مع جامعة الأميرة نورة في إقامة مسابقة إبداعية للطالبات في محاولة منها لاختراق المجتمعات الجامعية والطلابية والتعريف بنفسها.
الجدير ذكره، هو ما قاله الدكتور عثمان حول الميزانية التي تتحرك من خلالها المجلة في كل هذه المساحات، وأنها نفس الميزانية المخصصة للمجلة منذ أعوام.
وبهذا انتهى الاجتماع، الذي لم يكن مناسبة ثقافية بقدر ما كان اجتماعا مهنيا خالصاً، يسعى فيه رئيس تحرير المجلة العربية الدكتور عثمان الصيني لأبعد ما يمكن في رؤى وتصورات الحضور من الإعلاميين والمثقفين بكل شفافية وصراحة ووضوح.
وانفضّ السامر بعد ذلك، وكل واحد منهم يحمل غنائمه الباردة، وهي هدية المجلة المكونة من عددها رقم 400، كتاب المجلة الصادر ضمن سلسلة كتب المجلة العربية بعنوان أوراق منير العجلاني، وقصة أطفال صادرة ضمن سلسلة قصص النشء وهي بعنوان حكاية الصبي الذي رأى النوم، وديوان فؤاد الخطيب ضمن سلسلة الريادة، وكتاب ضمن سلسلة الترجمة بعنوان تاريخ الغجر، وكتاب ضمن سلسلة التأليف بعنوان من الحداثة إلى العولمة، بالإضافة إلى موسوعة A to Z الأولى.