القاهرة - مكتب الجزيرة - أ.ع
غادر الروائي العراقي عائد خصباك بلده العراق في العام 1995 للعمل في جامعة صنعاء، وأقام هناك حتى العام 2003، ثم انتقل إلى ألمانيا، ويقيم حاليا في مدينة كولونيا.
ولد خصباك في بابل العراق، وحصل على الدكتوراه في النقد الأدبي الحديث، وعمل في الصحافة الأدبية والتدريس الجامعي، وأصدر خمس مجموعات قصصية هي: «الموقعة، الكوميديا العدوانية، صباح الملائكة، الطائر والنهر، الغروب الأخير «بالإضافة إلى ثلاث روايات هي: «الصغار والكبار، سوق هرج، المقهى الأسباني».
الجزيرة التقت «خصباك» أثناء زيارته الأخيرة للقاهرة وكان هذا الحوار.
تنتمي إلى جيل الستينات العراقي كيف تنظر إلى تجربة هذا الجيل اليوم؟
- كان جيل الستينات محظوظا، حيث نشأ في محيط محتدم بالتصورات السياسية وأحلام اليوتوبيا الأرضية، ووجود فسحات من الحرية، كنا نعبر عن أنفسنا رغم المخاطر، وذلك من خلال تجمعات ثقافية ومظاهرات وبيانات وكتابات تجريبية، وتواصل مع تيارات فكرية مختلفة دون رفض أو مصادرة أي منها رغم الاختلافات الجذرية بينها، وكان الحوار والنقاشات والحياة الاجتماعية المنفتحة والعلاقات الإنسانية الرحبة، وبساطة المتطلبات، سبيلنا إلى إدامة التمرد في عقولنا الفتية.
كنا جيلا جريئا، لم يمنعنا الخوف من إبداء آرائنا، والعمل ضمن تنظيمات سياسية، وحين تتحول هذه التنظيمات إلى قوالب ضاغطة كنا نفلت منها، ونتحرر من قبضتها، إلى جانب ذلك كانت الرقابة على الكتب متساهلة إلى حد ما.
ماذا عن ملامح أبناء هذا الجيل؟
- فترة الستينات كانت حافلة بأحداث انقلابات عراقية، في 1963 و1968، وما بينهما عربيا وقعت نكسة 1967، وهذه المرحلة يمكن أن أسميها أدبيا بمرحلة الانكفاء على الذات، والشعور الحاد بعدم الانتماء والغربة، ورؤية كل ما حولنا رؤية عبثية، وهكذا أصبحت كل القصص تعكس هموما فردية باستخدام الرمز والتقطيع والتجريد والريبورتاج والتغريب والغرائبية، مع اهتمام خاص باللغة والشكل على حساب المضمون.
أنت كتبت القصة والرواية فأي الجنسين أقرب إلى روحك؟
- الآن الرواية أقرب، فعوالمي واسعة، وأنا لم أكتب القصة القصيرة بشروطها المعتادة، فدائما هناك النص الطويل والشخصيات الكثيرة والعوالم المتعددة التي قد لا تتسع لها القصة القصيرة، وأنا في الحقيقة أميل إلى الرواية، ومشاريعي المقبلة روائية تقريبا.
ما الذي منحتك إياه مدينة بابل بحيث أثر على تكوينك الأدبي؟
- بابل منحتني التميز في اختيار البيئة، والكثير من الأمور التي تميزت بها من خلال الاطلاع على تاريخها وموروثها، وقد وظفت اللهجة البابلية فنيا، كما أن بابل كتكوين متعدد الأعراق والثقافات منحني قدرة على خلق المدينة كما أريد، ومن خلالها تمكنت من فرض رؤيتي، واستفدت من الموروث الشعبي أيضا، واللهجة البابلية في إعادتها إلى جذورها العربية، وبعدها استخدمتها كلغة وسطى، فكل المفردات البابلية التي استخدمتها في قصصي عربية فصيحة، أرجعتها إلى جذورها ومن ثم استخدمتها بشكل فني.
بابل بشكل عام مدينة غنية، لم ينتبه إليها أحد من أبنائها، وأنا وجدتها مدينة متعددة العوالم، وكنت أشعر نحوها بحنين جارف، حيث وجدت مجتمعا ساحرا بتقاليده وأساطيره، وشدني هذا العالم، وحرك في نفسي الخيال والسعي إلى المحاكاة، فبابل تمثل لي الطفولة والمدينة الساحرة المفعمة بالحكايات والأساطير.
كيف تختار شخوص أعمالك؟
- أنا أهتم بالمهشمين والطبقات الشعبية، والطبقة الوسطى بشكل عام، وأؤمن بدور الطبقة الوسطى في إعادة التوازن للمجتمع، كما أن الإنسان العراقي لا يزال إلى الآن أسير المراحل الماضية من حروب وحصار، وهو إنسان معزول، لم ير العالم، ولا يعرف ماذا يوجد فيه، هذا الإنسان المهمش البسيط هو النموذج الذي أسعى إلى أن أظهره دائما، فهو إنسان معذب بين آماله وطموحاته، وبين واقعه المرير والقاسي.
حاولت أن أتعرض لكل الظواهر التي يتعرض لها الإنسان العراقي في تلك المرحلة، فأنا أكتب عن هذا الإنسان البرئ والفطري بانفعال إنساني، وبأسلوب أراه شاعريا.
هل ترى أن النقد أنصفك؟
- لم ينصفني النقد، لقد كتب عن قصصي ورواياتي الكثير، لكنها كتابات انطباعية، وأرى أن لدي بؤر كثيرة لم يتم التطرق إليها، أو لم تفهم بالطريقة الصحيحة.
كيف ترى المشهد الأدبي العراقي؟
- الواقع الأدبي العراقي في حاجة إلى مؤسسات حرة، كما أنه لا يوجد لدينا سينما ولا مسرح، الإبداع العراقي نشط وفاعل، لكن الكاتب العراقي لا يعرف كيف يسوق إبداعه، كما أن الأدب العراقي يتعرض لضغوط كثيرة تجعله في أوقات معينة غير واضح، فهناك الكثير من الكتاب المتميزين، لكن التشتت والمساحة الواسعة التي يتوزعون عليها في الصحف والمطبوعات الكثيرة والمواقع الإلكترونية، يجعلهم غير مرئيين.
وهذا الأمر ينطبق على الرواية، فالرواية غير موجودة بالشكل الذي نطمح إليه، والسبب هو عدم وجود مسار تصاعدي واحد، ومنذ الخمسينات حتى اليوم عانى الأدب العراقي من فترات مظلمة، بسبب المصادرة والتهميش والإلغاء، فالأدب العراقي محكوم برؤية سياسية دائما، وهذا ما يجعله غير مؤثر بالنسبة للأجيال اللاحقة.
هذا يعني أن هناك أزمة بين جيلين في الثقافة العراقية فهل هذا صحيح؟
- بالتأكيد هناك أزمة بين الجيل القديم والأجيال اللاحقة، لأنهم لا يفهمون بعضهم البعض، فما يجمع هذه الأجيال قد يكون حبا أو تعاطفا، أما التفاهم فسيظل نادرا، فالجيل الجديد يحترم القديم ويقدره إلا أنه لا يستوعبه، ولا يعرف ماذا يريد، والشيء نفسه بالنسبة للجيل القديم فهو يعطف على الشباب ويحاول أن يأخذ بيده، إلا أنه لا يعرف ماذا يريد، هناك فجوة كبيرة بين الجيلين. أصبحت هناك عزلة، فالكبار لا يسعون إلى فهم الشباب، وبالتالي لن يكون هناك توجيه منهم، والشباب لا يهتمون بنصائح الكبار، فخرج الجيل الجديد ضعيفا وهشا، وخضع للأفكار الغربية، ووقع فريسة للتطرف والإرهاب.
كيف تتعامل مع ثقافة المنفى؟
- أتعامل مع ثقافة البلد الأجنبي باعتبارها ثقافة موازية لثقافتي الأصلية، فأنا أتساوى مع المواطن الألماني في الحقوق والواجبات، وبالتالي فنحن على درجة واحدة من الاحترام والدرجة الثقافية، وقد تعلمت اللغة الألمانية، كي أستطيع التواصل مع الوسط الثقافي هناك، وبالتالي لم أشعر بآلام ومرارة المنفى، لأني انخرطت في ثقافة هذا المجتمع، وأحاول اكتساب معارف جديدة.