حين صدر كتاب الدكتور عبدالله الغذامي الثقافي انقسمت البيئة الثقافية والعلمية في المملكة إلى ثلاث فئات: الأولى: رفضت الكتاب بوصفه أحد منجزات الغذامي الذي لا ينبغي لديها إلا أن يقابل بالرفض التام، والثانية رحبت به ترحيباً كبيراً للسبب ذاته؛ إذ هي ترحب بكل ما ينجزه الغذامي من أعمال علمية ومشاريع ثقافية، وفئة ثالثة ذهبت تقابل بين ما أنجزه الدكتور عبدالله الغذامي من جهد علمي معرفي والأصول الأجنبية التي استفاد منها الدكتور عبدالله الغذامي، وأحال إليها في حواشي كتابه التي تحدثت عن النقد الثقافي، أو الدراسات الثقافية بوصفه منجزاً أنجلوسكسوني في المقام الأول.
هذه الأقوال جعلت كتاب الغذامي كتاباً عادياً يماثل كتباً كثيرة في الساحة العربية، ولم تستطع أن تنظر إليه بوصفه رائداً في الدراسات الثقافية العربية وفي النقد الثقافي ومن أول مَنْ نبّه إلى النقد الثقافي في العالم العربي، مع الاعتماد على الأعراف الأكاديمية في بنائه ومنهجيته، ووقفت على أن النقد الثقافي في هذا الكتاب لا يتفق مع النقد الثقافي في الكتابات الأجنبية، وأن استخدم المصطلح ليقدم شيئاً قاراً في ذهنه لا علاقة له بالمصطلح الأصلي.
هذا القول بالرغم من أنه كان يتردد في عدد من اللقاءات سقط حين سُرق الكتاب وفاز بالجائزة، وهو ما جعلنا ندرك أن الكتاب يستحق أن يُسرق، وأن يفوز بالجائزة، وهذا تكريم للكتاب من أكثر من وجه: أنه سُرق؛ فهو إذا شيء نفيس يستحق السرقة، ولا يُسرق إلا ما له قيمة، وأنه فاز بالجائزة بعيداً عن اسم صاحبه المؤلف الغذامي الذي أنفق عمره ليبني هذا الاسم الكبير؛ ما يعني أن الكتاب كان قد كُتب بعناية تامة، وأن الغذامي لم يعتمد على اسمه في تسويق الكتاب بل ظل يجتهد ويعمل ويستفيد من خبرته السابقة في إنتاج عمل جيد يتغلب فيه على نجاحاته السابقة ويحقق نجاحاً جديداً.
الأمر الأخير الذي أود أن أختم به هذه الخاطرة أنه إذا كان صحيحاً أن الغذامي لم يسع لتقديم النقد الثقافي والدراسات الثقافية كما هي موجودة في الكتابات الأجنبية، وأنه استفاد من تلك الأفكار وقدم رؤيته الخاصة تجاه المنهج المطروح، وإن كنت لا أتفق مع كثير مما جاء في الكتاب وربما أفرد له دراسة خاصة، فإن الغذامي بوصفه كاتباً أكاديمياً متمكناً ومتفلسفاً عميقاً له الحق في أن يقدم النقد الثقافي من خلال رؤيته العلمية الشخصية، وأن يبني رؤية مختلفة ربما عما هو متعارف عليه هناك ما دام يلتزم بالأدوات المنهجية والأعراف الأكاديمية، وهو ما بدا في هذا الكتاب وجعل محكمي الكتاب المسروق يقرون به ويمنحونه الجائزة.
الرياض