Culture Magazine Thursday  02/12/2010 G Issue 323
فضاءات
الخميس 26 ,ذو الحجة 1431   العدد  323
 
أعراف
بلسان عربي مبين (1)
محمد جبر الحربي

« ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلّمه بشرٌ لسان الذي يلحدون إليه أعجميٌّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبين».

أنشأ الفارغون حاجزاً وهمياً من التنافس والتنافر بين القصة القصيرة والرواية وبين الشعر، في حين رفعوا كل الحواجز والأطر بين الكتابة الحرة وبين القصيدة ضمن مفهومها العربي المبين. ولم يكن ذلك للمتتبع المنصف للحركة الثقافية موجوداً من قبل، بل إن الشعر ازدهر بوجود مجموعة من كتاب القصة مشرفين على الصفحات الثقافية، ومحررين، كالأساتذة محمد علوان، وصالح الأشقر، وسعد الدوسري وغيرهم، بينما أينعت القصة القصيرة في وجود شعراء يشرفون على الثقافة معروفين للجميع.

إذاً ما الذي تغير؟!

لقد أصبح الشعر منفياً، مضطهداً في معظم منافذ النشر.. عندما دخل من باب صغير خلفي كل من رأى في الشعر قيمة للوصول والظهور، حضرت لديه القصيدة أم غابت شمسها لتحل « النصوص « الباردة محل القصيد والدفء. كما اختلط الحابل بالنابل في عالم الرواية والقص لنفس الأسباب تقريباً.

ورغم افتخارنا بعدد كبير من المبدعات والمبدعين المتميزين حقاً من شعراء وقاصين وروائيين وكتاب وإعلاميين إلا أننا نلاحظ بشكل عام أنه لم يعد هنالك، خصوصاً لدى عدد متزايد من الجنس الناعم يكاد يشكل ظاهرةً، وعيٌ بالشعر، ولا بالقصيدة.. فقد غدت الخواطر، والكلام المصحوب بالشهيق، والهمس، وكل ما يخطر على بالهن قوله، شعرا ومجداً وهمياً حُمّلنه فتعبن من الحمل الثقيل، فعرجن، وتكسرت بهن الطرقات، ولوين ألسنتهن بما لا يحسن، فلم نعد نفهم هذا الذي يخرج من ألسنتهن، وهن يصطنعن الشعر، ويمضغن ويعلكن الكلام كاللبان، أو كأنهن دمى باربي الشهيرة، بشعور ليست شعورهن، وشعور لا يظهر لنا، لأنه ليس بشعورهن، أو لأنهن لا يستطعنَ توصيفه وتوصيله!!

ومن نجت منهن، من هذا السجن، وقعت أسيرة وهم القصة القصيرة. ومن سولت لها نفسها اجتاحت الرواية من باب النون، لا من باب السرد الفني المحكم.

ونحن في كل ذلك والله لا نسخر منهن، بقدر ما نخجل لهنّ!! ونؤمن بأن الساحة للجميع، لكننا نشير بحسرةٍ إلى من ورطهن وأوردهن هذه الموارد، وأبعدهن عن الينابيع والمنابع العالية.

فأين يكمن عمود الخلل؟!

أعتقد جازماً أنه يتمثل جلياً في الخلطة العجيبة من الرجال المستشعرين، القاصين، الروائيين، العلماء بكل شيء.. المنظرين للخراب، الغاوين المغوين الذين لا يمكننا حتى التحدث إليهم أو مخاطبتهم، فقد غدوا أسياداً للكلام في كل مكان وثير، تعج بهم الملاحق والمنتديات والواجهات. وهم من بعد ضلالتهم يضلون القادمين والقادمات، إذ هم يشيرون للعابرين والعابرات إلى غير جهات الشعر والأدب، ويحكمون الساحة بسيوف خشبية لكنها تمحو في ظنهم ما فات، وأبعد مداهم التنكر. وتقنن ما يجيء حسب وصفات ليس للإبداع علاقة بها، بقدر ما للضفدع علاقة بالقمر كما يقول الشاعر العربي.

وهكذا أصبح لدينا من مقلدي سركون بولص الباهتين الذين لا يعرفون آشوريته، وبيضون، إلى آخر القائمة، ومن ممجدي الجسد والرغبات منهم ومن غيرهم، سلالات من المنظرين لماهية الشعر، وهم لا يستطيعون كما عهدنا في سابقيهم إلى الخيبة، التمييز بين الشعر والنثر، ولا بين الأفعال والأسماء، أي أن معظمهم باختصار بلا لغة ولا موهبة، رغم ادعاء بالموسيقى الداخلية، وتفجير اللغة، ونحن في الحقيقة لا نسمع منهم سوى دوي انفجارات اللغة المفخخة بالجهل مع التعالي الذي يشير إلى القصر والنقص بشكل مباشر لا غموض فيه ولا تورية.

سبحانه كيف أصبحت المباشرة دليلاً عليهم، بينا هم مستترون بوهم الغموض الحالك.

وهكذا أيضاً أصبح للجمل دار غريبة في ألمانيا لا تديرها «المعالي»!!، كما كانت لسركون في فترة من الزمن دارا. وأصبح للكلام كيفما اتسق دور بيروتية تلمّع مقابل الذهب اللامع، وأصبح للساحة داعمون عرب، نفتتح صباحاتنا مرغمين على كتاباتهم، بينما هم يغوون الليل بمدائحهم المجانية..

وأصبحت، فيما أصبحت وأمست، طواقم لبنانية للأسف، مركزها بيروت والعواصم، تتحكم في بعض صحفنا، وتتعامل بتعالٍ، وقد يجوز لها والله أعلم ذلك، إذا كان من يتكئ عليها من أمثال هؤلاء « المغرومين « على الطريقة اللبنانية.

ورغم أن هنالك طاقات لبنانية كبيرة مقتدرة إلا أن الغرام كان متفشياً بمن لهم علاقة بتتفيه الإبداع والتمرد على الينابيع، وبتتفيه الجمال العربي الصرف إن لم تكن خالطته بهارات مالارميه وبودلير - الذي ليس في أزهار الشر لديه شيء من الشر الذي لدينا عبر هؤلاء - وبقية السلالة الأدبية الفرنسية، التي قرأناها مبكراً، ونرى فيها جوانب مثرية إلا ما يأخذه عنها هؤلاء المنفردين على اعوجاج وميل.

أو ليس من الغريب أن يصطف جندٌ من النقاد لقراءة وتحليل ما تحلل وغاب من شعر ولغة وقواعد وأدب لهؤلاء الجهابذة المختلفين؟!

فاجعة هي أليس كذلك؟!

لكن الأدهى من ذلك أنهم حتى لا يتواضعون كما يفعل العاقلون العارفون فيقولون نحن نخطئ ونصيب، أو إن لدينا ضعفاً هنا وقوة هناك، أو إننا لم نوفق هنا ووفقنا هناك.

لا، فذلك كلامٌ لا يليق بمهابتهم المصطنعة.

كما أنهم لا يقولون: إن فلاناً أستاذ قدير، أو إنني أخذتُ عن، أو تعلمت من فلان..

وكل ذلك ليس بغريب رغم غرابته، لأنهم في الأساس لا يعترفون بأعلام الأدب العربي، وأقرب من يتطاولون عليه العلَم الأشم المتنبي العظيم، وها هم يختلقون المداخل الضيقة والمثالب لتسفيهه لأسباب باتت مفضوحة، ولا حاجة بنا هنا للبحث في الأصول والجذور!!

mjharbi@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة